قوله تعالى :﴿ لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القيامة ﴾.
العامَّة : على « لاَ » نافية، واختلفوا حينئذ فيها على أوجه :
أحدها : أنَّها نافية لكلامٍ تقدم، كأنَّ الكفَّار ذكروا شيئاً، فقيل لهم :« لا » ثم ابتدأ الله قسماً.
قال القرطبي رحمه الله :« إنَّ القرآن جاء بالرد على الذين أنكروا البعث والجنة والنار، فجاء الإقسام بالردِّ عليهم كقوله :» والله لا أفعل « ف » لا « ردٌّ لكلام قد مضى، وذلك كقولك : لا والله إن القيامة. لحق، كأنك أكذبت قوماً أنكروه ».
والثاني : أنها مزيدة. قال الزمشخري : قالوا : إنها مزيدة، مثلها في ﴿ لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكتاب ﴾ [ الحديد : ٢٩ ]، وفي قوله - تعالى - :﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ ﴾ [ الأعراف : ١٢ ] ؛ وقوله :[ الرجز ]
٤٩٧٨ - فِي بِئْرِ لا حُورٍ سَرَى وما شَعَرْ... قال ابن الخطيب : وهذا القولُ عندي ضعيفٌ من وجوه :
أحدها : أنَّ تجويز هذا يفضي إلى الطعن في القرآن، لأن على هذا التقدير يجوز جعل النفي إثباتاً، والإثبات نفياً، وذلك ينفي الاعتماد على الكلام نفياً وإثباتاً.
وثانيها : أن الحرف إنما يزاد في وسط الكلام، فإن امرأ القيس زادها في مستهل قصيدته؛ وهي قوله :[ المتقارب ]
٤٩٧٩ - فَلاَ - وأبِيكِ - ابنَةَ العَامِرِيْ | يِ لا يَدَّعِي القَوْمُ أنِّي أفِرْ |
والجواب عن الأول : أنَّ قوله : لا وأبيك، قسمٌ عن النفي، وقوله :« لا أقْسِمُ » نفي للقسم، لأنه على وزان قولنا :« لا أقبل، لا أضرب، لا أنصر » وذلك يفيد النفي، بدليل أنه لو حلف لا يقسم كان البرُّ بترك القسم، والحنث بفعل القسم، فظهر أن البيت المذكور ليس من هذا الباب.
وعن الثاني : أن القرآن الكريم كالسُّورة الواحدة في عدم التناقض، فإما أن يقرن في كل آية ما أقرن في الأخرى، فذلك غير جائز؛ لأنه يلزم جوازه أن يقرن بكل إثبات حرف النفي الوارد في سائر الآيات، وذلك يقتضي انقلاب كل إثبات نفياً وانقلاب كل نفي إثباتاً، وأنه لا يجوز.
وثالثها : أن المراد من قولنا :« لا » صلة أنَّه لغو باطل يجب طرحه وإسقاطه حتى ينتظم الكلام ووصف كلام الله - تعالى - بذلك لا يجوز.
الوجه الثالث : قال الزمشخري :« إدخال لا النافية على فعل القسم مستفيض في كلامهم وأشعارهم؛ قال امرؤ القيس :[ المتقارب ]