قوله تعالى :﴿ والنازعات غَرْقاً ﴾ يجوز في « غرقاً » أن يكون مصدراً على حذفِ الزوائد، بمعنى « إغْرَاقاً »، وانتصابه بما قبله لملاقاته في المعنى.
وإمَّا على الحال، أي : ذواتُ إغراقٍ، يقال : أغرق في الشيء يغرق فيه إذا أوغل، وبلغ أقصى غايته، ومنه أغرق النازع في القوس أي : بلغ غاية المد والاستغراق والاستيعاب.

فصل في المراد بالنازعات


أقسم الله تعالى بهذه الأسماء الخمسة على أن القيامة حق.
و « النَّازعات » قيل : هي الملائكة التي تنزع أرواح الكُفَّار، قاله علي، وابن مسعود، ومسروق، ومجاهد.
قال ابن مسعود : يريد أنفس الكفار ينزعها ملك الموت من أجسادهم، من تحت كل شعرة، ومن تحت الأظافير، وأصول القدمينِ نزعاً، كالسَّفُّود ينزع من الصوف الرَّطب، ثم يغرقُها، يرجعها إلى أجسادهم، ثم ينزعها، فهذا عمله في الكفَّار.
وقال سعيد بن جبر : نُزعَتْ أرْواحُهم، ثم غرقت، ثم حرقت، ثم قذف بها في النار.
وقيل : يرى الكافر نفسه في وقت النَّزع كأنها تغرق.
وقال السدي :« والنَّازِعَات » هي النفوس حين تغرقُ في الصُّدور.
وقال مجاهد : هي الموت ينزع النفوس.
وقال الحسن وقتادة : هي النَّجوم تنزع من أفق إلى أفق، أي : تذهب، من قولهم : نزع إليها أي ذهب، أو من قولهم : نزعت الخيل، أي :« جرت »، « غرقاً » أي أنها تغرق وتغيب وتطلع من أفق إلى أفق آخر، وهو قول أبي عبيدة وابن كيسان والأخفش.
وقال عطاء وعكرمة :« والنَّازعَاتِ » القسيُّ تنزع بالسهام.
« غرقاً » بمعنى : إغراق، وإغراق النازع في القوس إذا بلغ غاية المدِّ حتى ينتهي إلى النَّصلِ، ويقال لقشرة البيضة الدَّاخلة « غِرقئ ».
وقيل : هم الغُزَاةُ الرُّماة، وهو الذي قبله سواء؛ لأنه إذا أقسم بالقسي فالمراد : النازعون بها تعظيماً لها، كقوله تعالى :﴿ والعاديات ضَبْحاً ﴾ [ العاديات : ١ ].
وقال يحيى بنُ سلام : هي الوحش تنوزع من الكلأ وتنفر.
ومعنى « غرقاً » أي : إبعاداً في النزع.
قوله تعالى :﴿ والناشطات نَشْطاً ﴾.
اعلم أن « نَشْطاً، وسَبْحاً، وسَبْقاً » كلها مصادر.
والنَّشْطُ : الرَّبْطُ، والإنشاطُ : الحل، يقال : نَشَطَ البعير : رَبطهُ، وأنشطهُ : حله.
ومنه :« كأنَّما أنشط من عقال »، فالهمزة للسَّلب، ونشط : ذهب بسرعةٍ، ومنه قيل لبقر الوحش : النواشط؛ وقال هميانُ بنُ قحافةَ :[ الرجز ]
٥٠٨٦- أمْسَتْ هُمومِي تَنْشِطُ المنَاشِطَا الشَّام بِي طَوْراً وطَوْراً واسِطَا
ونشط الحبل أنشطه أنشوطة : عقدته، وأنْشَطْتُه : مددته، ونشط ك « أنشط ».
قال الأصمعي : بئرٌ أنشاط : أي : قريبةُ القعرِ، يخرج الدَّلوُ منها بجذبةٍ واحدةٍ، وبئر نشُوط، قال : وهي التي لا تخرج الدلو منها حتى تنشط كثيراً.

فصل في المراد بالناشطات


قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : يعني الملائكة تنشط نفس المؤمن، فتقبضها كما ينشط العقال من يد البعير إذا حلَّ عنه.


الصفحة التالية
Icon