قوله تعالى :﴿ إِذَا السمآء انشقت ﴾ كقوله تعالى :﴿ إِذَا الشمس كُوِّرَتْ ﴾ [ التكوير : ١ ] في إضمار الفعل وعدمه، وفي « إذا » هذه احتمالات :
أحدها : أن تكون شرطية.
والثاني : أن تكون غير شرطية.
فعلى الأول في جوابها خمسة أوجه :
أحدها : أنها ﴿ َأَذِنَتْ ﴾ [ الانشقاق : ٢، ٥ ] والواو مزيدة.
قال ابن الأنباري : وهذا غلط؛ لأن العرب لا تقتحم الواو إلا مع « حتى إذا » كقوله تعالى :﴿ حتى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ﴾ [ الزمر : ٧٣ ]، أو مع « لمَّا » كقوله تعالى :﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ ﴾ [ الصافات : ١٠٣، ١٠٤ ]، أي : ناديناه، والواو لا تقحم مع غير هذين.
الثاني : أنه « فمُلاقيهِ » أي فأنت ملاقيه وإليه ذهب الأخفش.
والثالث : أنّه « يا أيُّها الإنسانُ » أيضاً، ولكن على إضمار القول : أي : يقال :« يا أيُّهَا الإنسَانُ ».
والخامس : أنَّه مقدَّرٌ، تقديره : بعثتم.
وقيل : تقديره : لاقى كل إنسان كدحه وهو قوله :« فمُلاقِيهِ » ويكون قوله :« يا أيُّهَا الإنسَانُ » معترض، كقولك : إذا كان كذا وكذا - يا أيها الإنسان - ترى عند ذلك ما عملت من خير أو شر.
ونقل القرطبي عن المبردِ، إنَّه قال : فيه تقديمٌ وتأخير، أي : يا أيُّها الإنسان إنَّك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه إذا السماء انشقت.
وقيل : هو ما صرَّح به في سورتي « التَّكوير » و « الانفطار »، وهو قوله تعالى :﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ ﴾ [ الانفطار : ٥ ]، قاله الزمخشري، وهو حسنٌ.
ونقل ابن الخطيب عن الكسائيِّ، أنه قال : إنَّ الجواب هو قوله :﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ ﴾ [ الانشقاق : ٧ ]، واعترض في الكلام على قوله :﴿ ياأيها الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً ﴾ [ الانشقاق : ٦ ].
والمعنى : إذا انشقت السماء وكان كذا وكذا فمن أوتي كتابه بيمنه فهو كذا ومن أوتي كتابه وراء ظهره فهو كذا ونظيره قوله تعالى :﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ ﴾ [ البقرة : ٣٨ ].
قال النحاسُ : وهذا أصحُّ ما قيل فيه وأحسنه.
وعلى الاحتمال الثاني : فيه وجهان :
أحدهما : أنَّها منصوبة مفعولاً بها بإضمار « واذْكُرْ ».
والثاني : أنها مبتدأ، وخبرها « إذَا » الثانية، و « الواو » مزيدة، تقديره : وقت انشقاق السماء وقت مدّ الأرض، أي : يقع الأمران في وقت. قاله الأخفش أيضاً.
والعامل فيها إذا كانت ظرفاً - عند الجمهور - جوابها، إمَّا الملفوظ به، وإمَّا المقدَّر.
وقال مكيٌّ : وقيل : العامل « انشقت ».
وقال ابن عطية : قال بعض النحاة : العامل « انشقت » وأبي ذلك كثير من أئمتهم؛ لأن « إذا » مضافة إلى « انشقت »، ومن يجيز ذلك تضعف عنده الإضافة، ويقوى معنى الجزاء.
وقرأ العامة :« انشقتْ » بتاء التأنيث ساكنة، وكذلك ما بعده.