« يوماً » مفعول به، [ ولا بد من حذف ] مضاف أي : عذاب يوم أو هول يوم، وأجيز أن يكون منصوباً على الظرف، والمفعول محذوف تقديره : واتقوا العَذَاب في يومٍ صِفَتثهُ كَيْتَ وَكَيْتَ.
ومنع « أبو البقاء » كونه ظرفاً، قال :« لأن الأمر بالتقوى لا يقع في يوم القيامة ».
والجواب عما قاله : أن الأمر بالحَذَرِ من الأسباب المؤدّية إلى العقاب في يوم القيامة.
وأصل « اتَّقُوا » :« اوْتَقُوا »، ففعل به ما تقدم في ﴿ تَتَّقُونَ ﴾ [ البقرة : ٢١ ]. قوله :﴿ لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ ﴾.
التنكير في « نفس » و « شيئاً » معناه أن نفساً من الأنفس لا تجزي عن نفس مثلها شيئاً من الأشياء، وكذلك في « شَفَاعة » و « عَدْل ».
قال الزمخشريك و « شيئاً » مفعول به على أن تجزي بمعنى « تقتضي »، أي : لا تقضي نفسٌ عن غيرها شيئاً من الحُقُوقن ويجوز أن يكون في موضع مَصْدَر، أي : قليلاً من الجزاء كقوله :﴿ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً ﴾ [ مريم : ٦٠ ]، أي : شيئاً من الجزاء؛ لأن الجزاء شيء، فوضع العام موضع الخاص.
واحْتَزَأْتُ بالشَّيء اجْتِزَاءً : اكْتَفَيْتُ، قال الشاعر :[ الوافر ]

٤٦٢ بأَنَّ الغَدْرَ في الأَقْوَامِ عَارٌ وَأَنَّ الحُرَّ يَجْزَأُ بِالكُرَاعِ
أي : يجتزىء به.
والجملة في محلّ نصب صفة ل « يوماً » والعائد محذوف، والتقدير : لا تَجْزِي فيه، ثم حذف الجار والمجرور، لأن الظروف يتّسع فيها ما لا يتّسع في غيرها، وهذا مذهب « سيبويه ».
وقيل : بل حذف بعد حذف حَرْفِ الجَرّ، ووصول الفعل إليه فصار : لا تجزية؛ كقوله :[ الطويل ]
٤٦٣ وَيَوْمٍ شَهِدْنَاهُ سُلَيْماً وَعَامِراً قَلِيلٍ سِوَى الطَّعْنِ النَّهَالِ نَوَافِلُهْ
ويُعْزَى للأخفش، إلاّ أن « المهدوي » نقل أن أن الوجهين المتقدّمين جائزان عند الأخفش وسيبويه والزجاج؛ ويدلّ على حذف عائد الموصوف إذا كان منصوباً قوله :[ الوافر ]
٤٦٤ فَمَا أَدْرِي أَغَيَّرَهُمٍ قَنَاءٍ وَطُولُ الدَّهْرِ أَمْ مَالٌ أَصَابُوا؟
أي : أصابوه، ويجوز عند الكوفيين أن يكون التقدير : يوماً يوم لا تَجْزي نفسٌ، فيصير كقوله تعالى :﴿ يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ ﴾ [ الانفطار : ١٩ ]، ويكون « اليوم » الثاني بدلاً من يوماً الأول، ثم حذف المُضَاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، كقوله :﴿ واسأل القرية ﴾ [ يوسف : ٨٢ ]، وعلى هذا لا يحتاج إلى تقدير عائدٍ؛ لأن الظرف متى أضيف إلى الجملة بعده لم يؤت له فيها بضمير، إلاّ في ضرورة شعر؛ كقوله :[ الوافر ]
٤٦٥ مَضَتْ مائَةٌ لِعَامَ وُلِدْتُ فِيهِ وَسَبْعٌ بَعْدَ ذَاكَ وَحِجَّتَانِ
و « عن نفس » متعلّق ب « تجزي »، فهو في محلّ نصب به.
قال « أبو البَقَاء » : يجوز أن يكون نصباً على الحال.


الصفحة التالية
Icon