قوله تعالى :﴿ القارعة مَا القارعة ﴾ كقوله تعالى :﴿ الحاقة مَا الحآقة ﴾ [ الحاقة : ١، ٢ ]، وكقوله تعالى :﴿ وَأَصْحَابُ اليمين مَآ أَصْحَابُ اليمين ﴾ [ الواقعة : ٢٧ ]، وقد تقدم ما نقله مكي من أنه يجوز رفع « القَارِعَةُ » بفعل مضمر ناصب ل « يوم ».
وقيل : ستأتيكم القارعة.
وقيل : القارعة : مبتدأ وما بعده الخبر.
وقيل : معنى الكلام على التحذير.
قال الزجاجُ : والعرب تحذر، وتغري بالرفع كالنصب، وأنشد :[ الخفيف ]
٥٢٨٧- لجَدِيرُونَ بالوَفَاءِ إذَا قَا... لَ أخُو النَّجدةِ : السِّلاحُ السِّلاحُ
وقد تقدم ذلك في قوله تعالى :﴿ نَاقَةَ الله ﴾ [ الشمس : ١٣ ]، فيمن رفعه، ويدل على ذلك قراءة عيسى :« القَارِعَة ما القارعة » بالنصب، بإضمار فعل، أي : احذروا القارعة و « مَا » زائدة، و « القَارِعَة » تأكيد للأولى تأكيداً لفظيًّا.
والقرعُ : الضرب بشدةٍ واعتماد. والمراد بالقارعة : القيامة، لأنها تقرع الخلائق بأهوالها، وأفزاعها.
وأهل اللغة يقولون : تقول العرب : قرعتهم القارعة، وفقرتهم الفاقرة، إذا وقع بهم أمر فظيع، قال تعالى :﴿ وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ ﴾ [ الرعد : ٣١ ]، وهي الشديدة من شدائد الدَّهرِ.
قوله تعالى :﴿ مَا القارعة ﴾ استفهام على جهة التعظيم والتفخيم لشأنها، كقوله تعالى :﴿ الحاقة مَا الحآقة ﴾ [ الحاقة : ١، ٢ ]، واختلفوا في سبب تسمية القيامة بالقارعة، فقيل : المراد بالقارعة : الصيحة التي يموت منها الخلائقُ؛ لأنها تقرع أسماعهم.
وقيل : إنَّ الأجرام العلوية والسفلية يصطكّان، فيموت العالم بسبب تلك القرعة، فلذلك سميت بالقارعة، [ وقيل : تقرع الناس بالأهوال كانشقاق السموات، وأقطارها وتكوير الشمس، وانتثار الكواكب، ودك الجبال ونسفها، وطي الأرض. وقيل : لأنها تقرع أعداء الله بالعذاب ]، وقوله تعالى :﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا القارعة ﴾، أي : لا علم لك بكنهها؛ لأنها في الشدة بحيث لا يبلغها وهم أحد، وعلى هذا يكون آخر السورة مطابقاً لأولها.
فإن قيل : هاهنا قال :﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا القارعة ﴾، ثم قال في آخر السورة :﴿ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ ﴾، ولم يقل : وما أدراك ما هاوية؟
فالجواب : الفرق أن كونها قارعة أمر محسوس، وكونها هاوية ليس كذلك، فظهر الفرق.
قوله :﴿ يَوْمَ يَكُونُ ﴾. في ناصب « يَوْمَ » أوجه :
أحدها : مضمر يدلّ عليه القارعة، أي : تقرعهم يوم يكون وقيل : تقديره : تأتي القارعة يوم.
الثاني : أنه اذكر مقدراً، فهو مفعول به لا ظرف.
الثالث : أنه « القَارِعَةُ » قاله ابن عطية، وأبو البقاء، ومكيٌّ.
قال أبو حيان : فإن كان عنى ابن عطيَّة اللفظ الأول، فلا يجوز، للفصل بين العاملين وهو في صلة « أل » والمعمول بأجنبي، وهو الخبر، وإن جعل القارعة علماً للقيامة، فلا يعمل أيضاً، وإن عنى الثاني والثالث، فلا يلتئم معنى الظرفية معه.
الرابع : أنه فعل مقدر رافع للقارعة الأولى، كأنه قيل : تأتي القارعة يوم يكون. قاله مكي. وعلى هذا يكون ما بينهما اعتراضاً، وهو بعيد جداً منافر لنظم الكلامِ.