وقال ابن جني : وأما « ضهيد وعثير » فمصنوعان فلا دلالة فيهما على ثبوت « فَعْيَل »، وصحة الياء في « مريم » على خلاف القياس، إذْ كان من حقّها الإعلال بنقل حركة الياء إلى الراء، ثم قَلْب الياء ألفاً نحوك « مُبَاع » من البيع، ولكنه شذّ كما شذ « مَزْيَد ومدين ».
وقال ابو البقاء : ومريم على أعجمي، ولو كان مشتقّاً من « رام يَرِيم » لكان مَرِيْماً بسكن الياء. وقد جاء في الأعلام فتح الياء نحو :[ مزيد ] وهو على خلاف القياس.
و « البَيِّنَات » قيل : هي المُعْجِزَات المذكورة في سورة « آل عمران » و « المائدة ».
وقيل : الإنجيل.
وقيل : أعم ذلك.
قوله :« وَأَيَّدْنَاهُ » معطوف على قوله :« وَآتيْنَا عِيسَى ».
وقرأ الجمهور :« وَأَيَّدْنَاهُ » على « فَعَّلْنَاهُ »، وقرأ مجاهد وابن محيصن ويروى عن أبي عمرو :« وَآيَدْنَاهُ » على « أَفْعَلْنَاهُ »، والأصل فيه :« أَأْيد » بهمزتين ثانيتهما ساكنة، فوجب إبدال الثانية ألفاً نحو :« أأمن » وبابِه، وصححت العين كما صحّت في « أغليت وأغميت » وهو تصحيح شاذّ إلا في فعل العجّب نحو : ما أبين أطول.
وحكي عن أبي زيد أن تصحيح « أغليت » مقيس.
فإن قيل : لم لا أعلّ « أَيَّدْنَاه » كما أعلّ نحو : أَبَعْنَاهُ حتى لا يلزم حلمه على الشَّاذ؟.
فالجواب : أنه لو أعلّ بأن ألقيت حركة العَيْن على الفاء، فيلتقي ساكنان العين واللام، فتحذف العين لالتقاء السكانين، فتجتمع همزتان مَفْتُوحتان، فيجب قلب الثانية واواً نحو :« أوادم » فتتحرك الواو بعد فتحة، فتقلب ألفاً فيصير اللفظ : أَأَدْنَاهُ؛ لأدّى إلى إعلال الفاء والعين، فالأجل ذلك رُفِضَ بخلاف أَبَعْنَاه وأقمناه، فإنه ليس فيه إلاَّ إعلال العَيْن فقط، قال أبو البقاء : فإن قلت : فلم لم تحذف الياء التي هي عَيْن كما حذفت من نحو :« أسلناه » من « سال يسيل » ؟.
قيل : لو فعلوا ذلك لتوالى إِعْلاَلاَن :
أحدهما : قلب الهمزة الثانية ألفاً، ثم حَذْفُ الألف المبدلة من الياء لسكونها، وسكون الألف قبلها، فكان يصير اللَّفظ أدْنَاه، فتحذف الفاء والعين، وليس « أَسَلْنَاه » كذلك؛ لأن هناك حذفت العين فقط.
وقال الزمخشري في « المائدة » :« أَيَّدْتُك على أَفْعَلْتُكَ ».
وقال ابن عطية :« على فاعَلْتُكَ »، ثم قال :« ويظهر أنَّ الأصل في القراءتين : أفعلتك، ثم اختلف الإعلال، والذي يظهر أن » أَيَّدَ « » فَعَّلَ لمجيء مضارعه على يُؤَيِّد بالتشديد، ولو كان أَيَّدّ بالتشديد بزنة « أَفْعَل » لكان مضارعه « يُؤْيِدُ » ك « يُؤْمِنُ » من « آمن » وأما آيَدَ بالمدّ فَيحْتَاج في نقل مُضَارعة إلى سماع، فإن سُمِع « يُؤايِد » ك « يُقَاتل » فهو « فَاعَلَ » فإن سمع « يُؤْيِد » ك « يكرم » و « آيَد » فهو أَفْعَلَ، ذكر جميع ذلك أبو حَيّان في « المائدة »، ثم قال : إنه لم يظهر كلام ابن عطيّة في قوله : اختلف الإعلال «، وهو صحيح، إلاَّ أن قوله : والذي يظهر أن » أَيَّد « في قراءة الجمهور » فَعَّل « لا » أَفْعَل « إلى آخره فيه نظر؛ لأنه يُشْعِرُ بجواز شيء آخر متعذّر.


الصفحة التالية
Icon