قوله تعالى :﴿ والعصر ﴾. قرأ العامة : بسكون الصاد، وسلام :« والعَصِر » بكسرها، و « الصَّبْرِ » بكسر الباء.
قال ابن عطية :« وهذا لا يجوز، إلا في الوقف على نقل الحركة ».
وروي عن أبي عمرو :« بالصبْر » بسكون الباء إشماماً، وهذا أيضاً لا يجوز إلا في الوقف انتهى.
ونقل هذه القراءة جماعة كالهذلي، وأبي الفضل الرازي، وابن خالويه.
قال الهذلي :« والعصر، والصبر، والفجر، والوتر، بكسر ما قبل الساكن في هذه كلها : هارون، وابن موسى عن أبي عمرو، والباقون : بالإسكان، كالجماعة » انتهى.
فهذا إطلاق منه لهذه القراءة في حالتي الوقف والوصل.
قال ابن خالويه :« وتواصوا بالصبر » بنقل الحركة عن أبي عمرو.
قال ابن خالويه [ وقال صاحب « اللوامح » : وعيسى البصرة :] « بالصبر » بنقل حركة الراء إلى الباء، لئلا يحتاج، أن يأتي ببعض الحركة في الوقف، ولا إلى أن يسكن، فيجمع بين ساكنين، وذلك لغة شائعة، وليست بشاذة بل مستفيضة، وذلك دلالة على الإعراب، وانفصال عن التقاء الساكنين، وتأدية حق الموقوف عليه من السكون انتهى، فهذا يؤذن بما ذكر ابن عطية، أنه كان ينبغي ذلك.
وأنشدوا على ذلك :[ الرجز ]
٥٢٩٦- واعْتقَالاً بالرِّجِلْ... يريد : بالرِّجْلِ.
وقال آخر :[ الرجز ]
٥٢٩٧- أنَا جَريرٌ كُنيَتِي أبُو عَمِرْ... أضْرِبُ بالسَّيْفِ وسعْدٌ بالقَصِرْ
والنقل جائز في الضم كقوله شعر :
إذ جد النَّقُرْ... وله شروط :« والعقد » الليلة واليوم قال :[ الطويل ]
٥٢٩٨- ولَنْ يَلْبثِ العقْدانِ : يَومٌ ولَيْلةٌ... إذَا طَلَبَا أنْ يُدْرِكَا تَيَمَّمَا
قال ابن عباس وغيره :« والعصر » أي : الدهر، ومنه قول الشاعر :[ الطويل ]
٥٢٩٩- سَيْلُ الهَوَى وعْرٌ وبَحْرُ الهَوَى غَمْرٌ... ويَوْمُ الهَوَى شَهْرٌ وشَهْرُ الهَوَى دَهْرُ
أقسم الله - تعالى - بالعصرِ لما فيه من الاعتبار للناظر بتصرف الأحوال وبتبدلها وما فيها من الأدلة على الصانع، والعصران أيضاً الغداة والعشي قال :[ الطويل ]
٥٣٠٠- وأمْطُلُهُ العَصْرَيْن حتَّى يَملَّنِي... ويَرْضَى بنِصْفِ الدِّيْن والأنْفُ رَاغِمُ
يقول : إذا جاءني أول النهار وعدته آخره.
وقيل : إنه العشي، وهو ما بين الزوال والغروب. قاله الحسن وقتادة.
[ وقال الشاعر ] :
٥٣٠١- تَروَّحْ بِنَا يا عَمْرُو قَدْ قَصُرَ العَصرُ... وفي الرَّوحةِ الأولَى الغَنِيمةُ والأَجْرُ
وعن قتادة : هو آخر ساعة من النهار، فأقسم سبحانه بأحد طرفي النهار كما أقسم بالضحى، وهو أحد طرفي النَّهارِ، قاله أبو مسلم.
وقيل : هو قسم بصلاة العصر، وهي الوسطى؛ لأنها أفضل الصلوات، قاله مقاتل.
قال ﷺ :« الصَّلاةُ الوُسْطَى، صلاةُ العَصْرِ ».
وقيل : أقسم بعصر النبي ﷺ لفضله بتجديد النبوة فيه.
وقيل : معناه وربِّ العصر.
فصل
قال مالك - رضي الله عنه - من حلف ألاَّ يكلم رجلاً عصراً، لم يكلمه سنة.