فصل في الباعث على نسبتهم السحر لسليمان
إنما أضافوا السِّحْر إلى سليمان ﷺ لوجوه :
أحدها : أضافوه تفخيماً لشأنه، وتعظيماً لأمره، وترغيباً للقوم في قبول ذلك منهم.
وثانيها : أن اليهود كانوا يقولون : إن سليمان إنما وجد ذلك الملك بسبب السّحر.
وثالثها : أنه تعالى لما سخر الجن لسليمان، فكان يخاطلهم، ويستفيد منهم أسراراً عجيبة غلب على الظنون أنه ﷺ استفاد السحر منه فقوله تعالى :« وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ » تنزيه له ﷺ عن الكفر، وذلك بدلّ على أن القوم نسبوه إلى الكُفْرِ السحر، فروي عن بعض أَحْبَار اليهود أنهم قالوا : ألا تعجبون من محمد عليه الصَّلاة والسَّلام يزعم أن سليمان كان نبياً وما كان إلا ساحراً، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وروي أن السَّحرة من اليهود زعموا أنهم أخذوا السحر عن سليمان، فبرأه الله تعالى من ذلك، وبين أن الذي برأه الله منه لاصق بغيره، وهو قوله تعالى :« وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ ».
هذه الواو عاطفة جملة الاستدراك على ماقبلها.
وقرأ ابن عامر، والكسائي وحمزة بتخفيف « لكن » ورفع ما بعدها، والباقون بالتشديد، والنصب وهو واضح.
وأما القراءة الأولى، فتكون « لكن » مخففة من الثقيلة جيء بها لمجرّد الاستدراك، وإذا خففت لم تعمل عند الجمهور ونٌقِل جواز ذلك عن يونس [ والأخفش. وهل تكون عاطفة؟ الجمهور على أنها تكون عاطفة إذا لم يكن معها « الواو »، وكان ما بعدها مفرداً وذه يونس ] إلاَّ أنها لا تكون عاطفةً وهو قوي، فإنه لم يسمع في لسانهم : ما قام زيد لكن عمرو، وإن وجد ذلك في كتب النحاة فمن تمثيلاتهم، ولذلك لم يمثل بها سيبويه رحمه الله إلا مع الواو وهذا يدل على نفيه.
وأما إذا وقعت بعدها الجمل فتارة تقترن بالواو، وتارة لا تقترن.
قال زهير :[ البسيط ]
٦٩٥ إنَّ ابْنَ وَرْقَاءَ لاَ تُخْشَى بَوَادِرُهُ | لَكِنْ وَقَائِعُهُ في الحَرْبِ تُنتَظَرُ |
قوله :« يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ » « الناس » مفعول أول، و « السِّحْر » مفعول ثان، واختلفوا في هذه الجملة على خمسة أقوال :
أحدها : أنها حال من فاعل « كفروا » أي مُعَلِّمين.