أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : إن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإِسلام بقليل، فكان بينهم قتل وجراحات حتى قتلوا العبيد والنساء، فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا، فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدة والأموال، فحلفوا أن لا يرضوا حتى بالعبد من الحر منهم، وبالمرأة من الرجل منهم، فنزل فيهم ﴿ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ﴾ وذلك أنهم كانوا لا يقتلون الرجل بالمرأة ولكن يقتلون الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة، فأنزل الله ﴿ النفس بالنفس ﴾ [ المائدة : ٤٥ ] فجعل الأحرار في قصاص سواء فيما بينهم من العَمْد رجالهم ونساؤهم في النفس وما دون النفس، وجعل العبيد مستوين في العمد النفس وما دون النفس رجالهم ونساؤهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الشعبي قال : نزلت هذه الآية في قبيلتين من قبائل العرب اقتتلتا قتال عمية على عهد رسول الله ﷺ قال : يقتل بعبدنا فلان ابن فلان، ونقتل بأمتنا فلانة بنت فلانة. فأنزل الله ﴿ الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ﴾.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أبي مالك قال : كان بين حيين من الأنصار قتال كان لأحدهما على الآخر الطول، فكأنهم طلبوا الفضل، فجاء النبي ﷺ ليصلح بينهم، فنزلت هذه الآية ﴿ الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ﴾ قال ابن عباس : نسختها ﴿ النفس بالنفس ﴾ [ المائدة : ٤٥ ].
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال : لم يكن لمن كان قبلنا دية إنما هو القتل والعفو، فنزلت هذه الآية في قوم كانوا أكثر من غيرهم، فكانوا إذا قتل من الكثير عبد قالوا : لا نقتل به إلا حراً، وإذا قتلت منهم امرأة قالوا : لا نقتل بها إلا رجلاً، فأنزل الله ﴿ الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ﴾.
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وأبو القاسم الزجاجي في أماليه والبيهقي في سننه عن قتادة في الآية قال : كان أهل الجاهلية فيهم بغي وطاعة للشيطان، فكان الحي منهم إذا كان فيهم عدد فقتل لهم عبداً عبد قوم آخرين فقالوا : لن نقتل به إلا حراً تعززاً وتفضلاً على غيرهم في أنفسهم، وإذا قتلت لهم أنثى قتلتها امرأة قالوا : لن نقتل بها إلا رجلاً، فأنزل الله هذه الآية يخبرهم أن العبد بالعبد إلى آخر الآية، نهاهم عن البغي، ثم أنزل سورة المائدة فقال ﴿ وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ﴾ [ المائدة : ٤٥ ] الآية.
وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس ﴿ الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ﴾. قال : نسختها ﴿ وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ﴾ الآية.
أما قوله تعالى :﴿ فمن عفي له ﴾ الآية.


الصفحة التالية
Icon