سُورَةُ سَبَأٍ مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا أَرْبَعٌ وَخَمْسُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: الشُّكْرُ الْكَامِلُ، وَالْحَمْدُ التَّامُّ كُلُّهُ لِلْمَعْبُودِ الَّذِي هُوَ مَالِكُ جَمِيعِ مَا فِي السَّمَوَاتِ السَّبْعِ، وَمَا فِي الْأَرَضِينَ السَّبْعِ دُونَ كُلِّ مَا يَعْبُدُونَهُ، وَدُونَ كُلِّ شَيْءٍ سِوَاهُ، لَا مَالِكَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ غَيْرُهُ؛ فَالْمَعْنَى: الَّذِي هُوَ مَالِكٌ جَمِيعَهُ ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ﴾ [سبأ: ١] يَقُولُ: وَلَهُ الشُّكْرُ الْكَامِلُ فِي الْآخِرَةِ، كَالَّذِي هُوَ لَهُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا الْعَاجِلَةِ، لِأَنَّ مِنْهُ النِّعَمَ كُلَّهَا عَلَى كُلِّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فِي الدُّنْيَا، وَمِنْهُ يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ خَالِصًا دُونَ مَا سِوَاهُ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا، وَآجِلِ الْآخِرَةِ، لِأَنَّ النِّعَمَ كُلَّهَا مِنْ قِبَلِهِ لَا يُشْرِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ دُونِهِ، وَهُوَ الْحَكِيمُ فِي تَدْبِيرِهِ خَلْقَهُ وَصَرْفِهِ إِيَّاهُمْ فِي تَقْدِيرِهِ، خَبِيرٌ بِهِمْ وَبِمَا يُصْلِحُهُمْ، وَبِمَا عَمِلُوا، وَمَا هُمْ عَامِلُونَ، مُحِيطٌ بِجَمِيعِ ذَلِكَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ