البحر المحيط، ج ١، ص : ٤٠٤
الحسن مرفوعا، إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«والذي نفس محمد بيده لو اعترضوا بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم، ولكن شددوا فشدّد اللّه عليهم».
وإنما اختص البقر من سائر الحيوانات لأنهم كانوا يعظمون البقر ويعبدونها من دون اللّه، فاختبروا بذلك، إذ هذا من الابتلاء العظيم، وهو أن يؤمر الإنسان بقتل من يحبه ويعظمه، أو لأنه أراد تعالى أن يصل الخير للغلام الذي كان بارّا بأمّه. وقال طلحة بن مصرّف : لم تكن من بقر الدنيا، بل نزلت من السماء. وقال بعض أهل العلم : البقر سيد الحيوانات الإنسية.
وقرأ : أَتَتَّخِذُنا؟ الجمهور : بالتاء، على أن الضمير هو لموسى. وقرأ عاصم الجحدري وابن محيصن بالياء، على أن الضمير للّه تعالى، وهو استفهام على سبيل الإنكار. هُزُواً، قرأ حمزة، وإسماعيل، وخلف في اختياره، والقزاز، عن عبد الوارث والمفضل، بإسكان الزاي. وقرأ حفص : بضم الزاي والواو بدل الهمز. وقرأ الباقون : بضم الزاي والهمزة، وفيه ثلاث لغات التي قرىء بها، وانتصابه على أنه مفعول ثان لقوله :
أَتَتَّخِذُنا هُزُواً، فإما أن يريد به اسم المفعول، أي مهزوأ، كقوله : درهم ضرب الأمير، وهذا خلق اللّه، أو يكون أخبروا به على سبيل المبالغة، أي أتتخذنا نفس الهزؤ، وذلك لكثرة الاستهزاء ممن يكون جاهلا، أو على حذف مضاف، أي مكان هزء، أو ذوي هزء، وإجابتهم نبيهم حين أخبرهم عن أمر اللّه بأن يذبحوا بقرة، بقولهم : أَتَتَّخِذُنا هُزُواً دليل على سوء عقيدتهم في نبيهم وتكذيبهم له، إذ لو علموا أن ذلك إخبار صحيح عن اللّه تعالى، لما كان جوابهم إلا امتثال الأمر، وجوابهم هذا كفر بموسى. وقال بعض الناس :
كانوا مؤمنين مصدقين، ولكن جرى هذا على نحو ما هم عليه من غلظ الطبع والجفاء والمعصية. والعذر لهم أنهم لما طلبوا من موسى تعيين القاتل فقال لهم : إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا، رأوا تباين ما بين السؤال والجواب وبعده، فتوهموا أن موسى داعبهم، وقد لا يكون أخبرهم في ذلك الوقت بأن القتيل يضرب ببعض البقرة المذبوحة فيحيا ويخبر بمن قتله، أو يكون أخبرهم بذلك، فتعجبوا من إحياء ميت ببعض ميت، فظنوا أن ذلك يجري مجرى الاستهزاء. وقيل : في الكلام محذوف تقديره : آللّه أمرك أن تتخذنا هزوا؟ وقيل :
هو استفهام حقيقة ليس فيه إنكار، وهو استفهام استرشاد لا استفهام إنكار وعناد.
قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ، لما فهم موسى عليه السلام عنهم أن تلك المقالة التي صدرت عنهم إنما هي لاعتقادهم فيها أنه أخبر عن اللّه بما لم يأمر به، استعاذ باللّه وهو الذي أخبر عنه، أن يكون من الجاهلين باللّه، فيخبر عنه بأمر لم يأمر به تعالى، إذ


الصفحة التالية
Icon