البحر المحيط، ج ١، ص : ٤٢٠
أو عائد على القتيل، أي، فقلنا : اضربوا القتيل ببعضها. الظاهر أنهم أمروا أن يضربوه بأي بعض كان، فقيل : ضربوه بلسانها، أو بفخذها اليمنى، أو بذنبها، أو بالغضروف، أو بالعظم الذي يلي الغضروف، وهو أصل الأذن، أو بالبضعة التي بين الكتفين، أو بالعجب، وهو أصل الذنب، أو بالقلب واللسان معا، أو بعظم من عظامها، قاله أبو العالية. والباء في ببعضها للآلة، كما تقول : ضربت بالقدوم، والضمير عائد على البقرة، أي ببعض البقرة.
وفي الكلام حذف يدل عليه ما بعده وما قبله، التقدير : فضربوه فحيي، دل على ضربوه قوله تعالى : اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها
، ودل على فحيي قوله تعالى : كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى
ونقل أن الضرب كان على جيد القتيل، وذلك قبل دفنه، ومن قال : إنهم مكثوا في طلبها أربعين سنة، أو من يقول : إنهم أمروا بطلبها، ولم تكن في صلب ولا رحم، فلا يكون الضرب إلا بعد دفنه. قيل : على قبره، والأظهر أنه المباشر بالضرب لا القبر. وروي أنه قام وأوداجه تشخب دما، وأخبر بقاتله فقال : قتلني ابن أخي، فقال بنو أخيه : واللّه ما قتلناه، فكذبوا بالحق بعد معاينته، ثم مات مكانه.
وفي بعض القصص أنه قال : قتلني فلان وفلان، لا بني عمه، ثم سقط ميتا، فأخذا وقتلا، ولم يورثوا قاتلا بعد ذلك. وقال الماوردي : كان الضرب بميت لا حياة فيه، لئلا يلتبس على ذي شبهة أن الحياة إنما انقلبت إليه مما ضرب به لتزول الشبهة وتتأكد الحجة.
كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى
إن كان هذا خطابا للذين حضروا إحياء القتيل، كان ثم إضمار قول : أي وقلنا لهم كذلك يحيي اللّه الموتى يوم القيامة. وقدّره الماوردي خطابا من موسى، على نبينا وعليه الصلاة والسلام. وإن كان لمنكري البعث في زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فيكون من تلوين الخطاب. والمعنى : كما أحيي قتيل بني إسرائيل في الدنيا، كذلك يحيي اللّه الموتى يوم القيامة، وإلى هذا ذهب الطبري، والظاهر هو الأول، لانتظام الآي في نسق واحد، ولئلا يختلف خطاب لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
، وخطاب ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ، لأن ظاهر قلوبكم أنه خطاب لبني إسرائيل. والكاف من كذلك صفة لمصدر محذوف منصوب بقوله : يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى
، أي إحياء مثل ذلك الإحياء، يحيي اللّه الموتى، والمماثلة إنما هي في مطلق الإحياء لاقى كيفية الإحياء، فيكون ذلك إشارة إلى إحياء القتيل. وجعل صاحب المنتخب ذلك إشارة إلى نفس القتيل، ويحتاج في تصحيح ذلك إلى حذف مضاف، أي مثل إحياء ذلك القتيل، يحيي اللّه الموتى، فجعله إشارة إلى المصدر أولى وأقل تكلفا. وإذا كان ذلك خطابا لبني إسرائيل الحاضرين إحياء القتيل،