مفاتيح الغيب، ج ٢٨، ص : ٩١
سورة الحجرات
ثماني عشرة آية مدينة بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
[سورة الحجرات (٤٩) : آية ١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١)في بيان حسن الترتيب وجوه : أحدها : أن في السورة المتقدمة لما جرى منهم ميل إلى الامتناع مما أجاز النبي صلى اللّه عليه وسلم من الصلح وترك آية التسمية والرسالة وألزمهم كلمة التقوى كأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لهم على سبيل العموم : لا تقدموا بين يدي اللّه ورسوله، ولا تتجاوزوا ما يأمر اللّه تعالى ورسوله الثاني : هو أن اللّه تعالى لما بيّن محل النبي عليه الصلاة والسلام وعلو درجته بكونه رسوله الذي يظهر دينه وذكره بأنه رحيم بالمؤمنين بقوله رَحِيمٌ [التوبة : ١٢٨] قال لا تتركوا من احترامه شيئا لا بالفعل ولا بالقول، ولا تغتروا برأفته، وانظروا إلى رفعة درجته الثالث : هو أن اللّه تعالى وصف المؤمنين بكونهم أشداء ورحماء فيما بينهم راكعين ساجدين نظرا إلى جانب اللّه تعالى، وذكر أن لهم من الحرمة عند اللّه ما أورثهم حسن الثناء في الكتب المتقدمة بقوله ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ [الفتح : ٢٩] فإن الملك العظيم لا يذكر أحدا في غيبته إلا إذا كان عنده محترما ووعدهم بالأجر العظيم، فقال في هذه السورة لا تفعلوا ما يوجب انحطاط درجتكم وإحباط حسناتكم ولا تقدموا. وقيل في سبب نزول الآية وجوه : قيل نزلت في صوم يوم الشك، وقيل نزلت في التضحية قبل صلاة العيد، وقيل نزلت في ثلاثة قتلوا اثنين من سليم ظنوهما من بني عامر، وقيل نزلت في جماعة أكثروا من السؤال وكان قد قدم على النبي صلى اللّه عليه وسلم وفود والأصح أنه إرشاد عام يشمل الكل ومنع مطلق يدخل فيه كل إثبات وتقدم واستبداد بالأمر وإقدام على فعل غير ضروري من غير مشاورة وفي التفسير مسائل :
المسألة الأولى : قوله تعالى : لا تُقَدِّمُوا يحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون من التقديم الذي هو متعد، وعلى هذا ففيه وجهان : أحدهما : ترك مفعوله برأسه كما في قوله تعالى :/ يُحْيِي وَيُمِيتُ وقول القائل فلان يعطي ويمنع ولا يريد بهما إعطاء شيء معين ولا منع شيء معين وإنَّما يريد بهما أن له منعا وإعطاء كذلك هاهنا، كأنه تعالى يقول لا ينبغي أن يصدر منكم تقديم أصلا والثاني : أن يكون المفعول الفعل أو الأمر كأنه يقول لا تُقَدِّمُوا يعني فعلا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أو لا تقدموا أمرا الثاني : أن يكون المراد لا تُقَدِّمُوا بمعنى لا تتقدموا، وعلى هذا فهو مجاز ليس المراد هو نفس التقديم بل المراد لا تجعلوا لأنفسكم تقدما عند النبي صلى اللّه عليه وسلم يقال فلان تقدم من بين الناس إذا ارتفع أمره وعلا شأنه، والسبب فيه أن من ارتفع يكون متقدما في الدخول في