مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٥٥٨

بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم

سورة الطلاق
اثنتا عشرة آية مدنية
[سورة الطلاق (٦٥) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (١)
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ أما التعلق بما قبلها فذلك أنه تعالى قال في أول تلك السورة : لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التغابن : ١] والملك يفتقر إلى التصرف على وجه يحصل منه نظام الملك، والحمد يفتقر إلى أن ذلك التصرف بطريق العدل والإحسان في حق المتصرف فيه وبالقدرة على من يمنعه عن التصرف وتقرير الأحكام في هذه السورة متضمن لهذه الأمور المفتقرة إليها تضمنا لا يفتقر إلى التأمل فيه، فيكون لهذه السورة نسبة إلى تلك السورة وأما الأول بالآخر فلأنه تعالى أشار في آخر تلك السورة إلى كمال علمه بقوله : عالِمُ الْغَيْبِ [التغابن : ١٨] وفي أول هذه السورة إلى كمال علمه بمصالح النساء وبالأحكام المخصوصة بطلاقهن، فكأنه بين ذلك الكلي بهذه الجزئيات، وقوله : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ
عن أنس رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم طلق حفصة فأتت إلى أهلها فنزلت،
وقيل : راجعها فإنها صوامة قوامة وعلى هذا إنما نزلت الآية بسبب خروجها إلى أهلها لما طلقها النبي صلى اللَّه عليه وسلم فأنزل اللَّه في هذه الآية : وَلا يَخْرُجْنَ من بيوتهن وقال الكلبي : إنه عليه السلام غضب على حفصة لما أسر إليها حديثا فأظهرته لعائشة فطلقها تطليقة فنزلت،
وقال السدي : نزلت في عبد اللَّه بن عمر لما طلق امرأته حائضا والقصة في ذلك مشهورة وقال مقاتل : إن رجالا فعلوا مثل ما فعل ابن عمر، وهم عمرو بن سعيد بن العاص وعتبة بن غزوان فنزلت فيهم، وفي قوله تعالى : يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ وجهان أحدهما : أنه نادى النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثم خاطب أمته لما أنه سيدهم وقدوتهم، فإذا خوطب خطاب الجمع كانت أمته داخلة في ذلك الخطاب. قال أبو إسحاق : هذا خطاب النبي عليه السلام، والمؤمنون داخلون معه في الخطاب وثانيهما : أن المعنى يا أيها النبي قل لهم : إذا طلقتم النساء فأضمر القول، وقال الفراء : خاطبه وجعل الحكم للجميع، كما تقول للرجل : ويحكم أما تتقون اللَّه أما تستحيون، تذهيب إليه وإلى أهل بيته وإِذا طَلَّقْتُمُ أي إذا أردتم التطليق، كقوله : إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة : ٦] أي إذا أردتم / الصلاة، وقد مر الكلام فيه، وقوله تعالى : فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ قال عبد اللَّه : إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته، فيطلقها طاهرا من


الصفحة التالية
Icon