مفاتيح الغيب، ج ٣٠، ص : ٥٩٨

بسم اللّه الرحمن الرّحيم

سورة القلم
وهي اثنتان وخمسون آية مكية
[سورة القلم (٦٨) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١)
ن فيه مسألتان :
المسألة الأولى : الأقوال المذكورة في هذا الجنس قد شرحناها في أول سورة البقرة والوجوه الزائدة التي يختص بها هذا الموضع أولها : أن النون هو السمكة، ومنه في ذكر يونس وَذَا النُّونِ [الأنبياء : ٨٧] وهذا القول مروي عن ابن عباس ومجاهد ومقاتل والسدي ثم القائلون بهذا منهم من قال : إنه قسم بالحوت الذي على ظهره الأرض وهو في بحر تحت الأرض السفلى، ومنهم من قال : إنه قسم بالحوت الذي احتبس يونس عليه السلام في بطنه، ومنهم من قال : إنه قسم بالحوت الذي لطخ سهم نمروذ بدمه والقول الثاني : وهو أيضا مروي عن ابن عباس واختيار الضحاك والحسن وقتادة أن النون هو الدواة، ومنه قول الشاعر :
إذا ما الشوق يرجع بي إليهم ألقت النون بالدمع السجوم
فيكون هذا قسما بالدواة والقلم، فإن المنفعة بهما بسبب الكتابة عظيمة، فإن التفاهم تارة يحصل بالنطق و[تارة] يتحرى بالكتابة والقول الثالث : أن
النون لوح تكتب الملائكة ما يأمرهم اللّه به فيه رواه معاوية بن قرة مرفوعا
والقول الرابع : أن النون هو المداد الذي تكتب به الملائكة واعلم أن هذه الوجوه ضعيفة لأنا إذا جعلناه مقسما به وجب إن كان جنسا أن نجره وننونه، فإن القسم على هذا التقدير يكون بدواة منكرة أو بسمكة منكرة، كأنه قيل : وسمكة والقلم، أو قيل : ودواة والقلم، وإن كان علما أن نصرفه ونجره أو لا نصرفه ونفتحه إن جعلناه غير منصرف. والقول الخامس : أن نون هاهنا آخر حروف الرحمن فإنه يجتمع من الرحمن ن اسم الرحمن فذكر اللّه هذا الحرف الأخير من هذا الاسم، والمقصود القسم بتمام هذا الاسم، وهذا أيضا ضعيف لأن تجويزه يفتح باب ترهات الباطنية، بل الحق أنه إما أن يكون اسما للسورة أو يكون الغرض منه التحدي أو سائر الوجوه المذكورة في أول سورة البقرة.
المسألة الثانية : القراء مختلفون في إظهار النون وإخفائه من قوله : ن وَالْقَلَمِ فمن أظهرها فلأنه / ينوي بها الوقف بدلالة اجتماع الساكنين فيها، وإذا كانت موقوفة كانت في تقدير الانفصال مما بعدها، وإذا انفصلت مما بعدها وجب التبيين، لأنها إنما تخفى في حروف الفم عند الاتصال، ووجه الإخفاء أن همزة الوصل لم تقطع مع هذه الحروف في نحو الم اللَّهُ [آل عمران : ١] وقولهم في العدد واحد اثنان فمن


الصفحة التالية
Icon