مفاتيح الغيب، ج ٣١، ص : ١٩٠

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

سورة الضحى
إحدى عشرة آية مكية وأنا على عزم أن أضم إلى تفسير هذه السورة ما فيها من اللطائف التذكارية.
[سورة الضحى (٩٣) : الآيات ١ إلى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢)
لأهل التفسير في قوله : وَالضُّحى وجهان : أحدهما : أن المراد بالضحى وقت الضحى وهو صدر النهار حين ترتفع الشمس وتلقي شعاعها وثانيها : الضحى هو النهار كله بدليل أنه جعل في مقابلة الليل كله.
وأما قوله : وَاللَّيْلِ إِذا سَجى فذكر أهل اللغة في سَجى ثلاثة أوجه متقاربة : سكن وأظلم وغطى أما الأول : فقال أبو عبيد والمبرد والزجاج : سجى أي سكن يقال : ليلة ساجية أي ساكنة الريح، وعين ساجية أي فاترة الطرف. وسجى البحر إذا سكنت أمواجه، وقال في الدعاء :
يا مالك البحر إذا البحر سجى وأما الثاني : وهو تفسير سجى بأظلم فقال الفراء : سجى أي أظلم وركد في طوله.
وأما الثالث : وهو تفسير سجى بغطى، فقال الأصمعي وابن الأعرابي سجى الليل تغطيته النهار، مثل ما يسجى الرجل بالثوب، واعلم أن أقوال المفسرين غير خارجة عن هذه الوجوه الثلاثة فقال ابن عباس : غطى الدنيا بالظلمة، وقال الحسن : ألبس الناس ظلامه، وقال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير : إذا أقبل الليل غطى كل شيء، وقال مجاهد وقتادة والسدي وابن زيد : سكن بالناس ولسكونه معنيان أحدهما : سكون الناس فنسب إليه كما يقال ليل نائم ونهار صائم والثاني : هو أن سكونه عبارة عن استقرار ظلامه واستوائه فلا يزداد بعد ذلك، وهاهنا سؤالات :
السؤال الأول : ما الحكمة في أنه تعالى في السورة الماضية قدم ذكر الليل، وفي هذه السورة أخره؟ قلنا :
فيه وجوه أحدها : أن بالليل والنهار ينتظم مصالح المكلفين، والليل له فضيلة السبق لقوله : وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ [الأنعام : ١] وللنهار فضيلة النور، بل الليل كالدنيا والنهار كالآخرة، فلما كان لكل واحد فضيلة ليست للآخر، لا جرم قدم هذا على ذاك تارة وذاك، على هذا أخرى، / ونظيره أنه تعالى قدم السجود على الركوع في


الصفحة التالية
Icon