سُورَةُ الْجَاثِيَةِ مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ وَثَلَاثُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿حم﴾ [غافر: ١] وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ﴾ [الزمر: ١] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: هَذَا تَنْزِيلُ الْقُرْآنِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴿الْعَزِيزِ﴾ [البقرة: ١٢٩] فِي انْتِقَامِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ ﴿الْحَكِيمِ﴾ [البقرة: ٣٢] فِي تَدْبِيرِهِ أَمْرَ خَلْقِهِ
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ الْلاتِي مِنْهُنَّ نُزُولُ الْغَيْثِ، وَالْأَرْضِ الَّتِي مِنْهَا خُرُوجُ الْخَلْقِ أَيُّهَا النَّاسُ ﴿لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الجاثية: ٣] يَقُولُ: لَأَدِلَّةً وَحُجَجًا لِلْمُصَدِّقِينَ بِالْحُجَجِ إِذَا تَبَيَّنُوهَا وَرَأَوْهَا
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [الجاثية: ٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَفَي خَلْقِ اللَّهِ إِيَّاكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، وَخَلْقِهِ مَا تَفَرَّقَ فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ تَدِبُّ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِكُمْ ﴿آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [الجاثية: ٤] يَعْنِي: حُجَجًا وَأَدِلَّةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ بِحَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ، فَيُقِرُّونَ بِهَا، وَيَعْلَمُونَ صِحَّتَهَا. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [الجاثية: ٤] وَفِي الَّتِي بَعْدَ ذَلِكَ فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ ﴿آيَاتٌ﴾ [البقرة: ٩٩] رَفْعًا عَلَى