سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ مَدَنِيَّةٌ وَآيَاتُهَا اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [المجادلة: ١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ﴾ [المجادلة: ١] يَا مُحَمَّدُ ﴿قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾ [المجادلة: ١] وَالَّتِي كَانَتْ تُجَادِلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زَوْجِهَا امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي نَسَبِهَا وَاسْمِهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: اسْمُهَا خُوَيْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ خُوَيْلَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ خُوَيْلَةُ بِنْتُ الصَّامِتِ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ خُوَيْلَةُ ابْنَةُ الدَّلِيجِ. وَكَانَتْ مُجَادَلَتُهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زَوْجِهَا، وَزَوْجُهَا أَوْسُ بْنُ الصَّامِتِ، مُرَاجَعَتَهَا إِيَّاهُ فِي أَمْرِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ قَوْلِهِ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. وَمُحَاوَرَتَهَا إِيَّاهُ فِي ذَلِكَ. وَبِذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، وَتَظَاهَرَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَالْآثَارُ الْوَارِدَةُ بِهِ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ يَقُولُ: إِنَّ خُوَيْلَةَ ابْنَةَ الدَّلِيجِ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَائِشَةُ تَغْسِلُ شِقَّ رَأْسِهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، طَالَتْ صُحْبَتِي مَعَ زَوْجِي، وَنَفَضْتُ لَهُ بَطْنِي، وَظَاهَرَ مِنِّي. فَقَالَ -[٤٤٧]- رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَرُمْتِ عَلَيْهِ». فَقَالَتْ: أَشْكُو إِلَى اللَّهِ فَاقَتِي. ثُمَّ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ طَالَتْ صُحْبَتِي، وَنَفَضْتُ لَهُ بَطْنِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَرُمْتِ عَلَيْهِ». فَجَعَلَ إِذَا قَالَ لَهَا: «حَرُمْتِ عَلَيْهِ». هَتَفَتْ وَقَالَتْ: أَشْكُو إِلَى اللَّهِ فَاقَتِي. قَالَ: فَنَزَلَ الْوَحْيُ، وَقَدْ قَامَتْ عَائِشَةُ تَغْسِلُ شِقَّ رَأْسِهِ الْآخَرَ، فَأَوْمَأَتْ إِلَيْهَا عَائِشَةُ أَنِ: اسْكُتِيَ. قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ أَخَذَهُ مِثْلُ السُّبَاتِ، فَلَمَّا قُضِيَ الْوَحْيُ، قَالَ: «ادْعِي زَوْجَكِ». فَتَلَاهَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾ [المجادلة: ١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾ [المجادلة: ٣] أَيْ يَرْجِعُ فِيهِ ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ [المجادلة: ٣] :«أَتَسْتَطِيعُ رَقَبَةً؟» قَالَ: لَا. قَالَ: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ [النساء: ٩٢] قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي إِذَا لَمْ آكُلْ فِي الْيَوْمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ خَشِيتُ أَنْ يَعْشُوَ بَصَرِي. قَالَ: ﴿فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ [المجادلة: ٤] قَالَ: «أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟» قَالَ: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلَّا أَنْ تُعِينَنِي. فَأَعَانَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَطْعَمَ