تفسير التستري، ص : ٦١
السورة التي يذكر فيها الأنعام
[سورة الأنعام (٦) : آية ٥٢]
وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢)
سئل عن قوله : وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [٥٢] قال : أي يريدون وجه اللّه ورضاه، ولا يغيبون عنه ساعة. ثم قال : أزهد الناس أصفاهم مطعما، وأعبد الناس أشدهم اجتهادا في القيام بالأمر والنهي، وأحبهم إلى اللّه أنصحهم لخلقه. وسئل عن العمر قال : الذي يضيع العمر.
[سورة الأنعام (٦) : آية ٥٤]
وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤)
قوله تعالى : كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [٥٤]. وقد حكي أن اللّه تعالى أوحى إلى داود عليه السلام : يا داود من عرفني أرادني، ومن أرادني أحبني، ومن أحبني طلبني ومن طلبني وجدني، ومن وجدني حفظني «١». فقال داود صلوات اللّه عليه : إلهي، أين أجدك إذا طلبتك؟ فقال : عند المنكسرة قلوبهم من مخافتي «٢». فقال : إلهي، أتيت أطباء عبادك للتداوي فكلهم دلوني عليك، فبؤسا للقانطين من رحمتك، فهل لي وجه أن تداويني؟ فقال اللّه عزّ وجلّ :
الذين أتيتهم كلهم دلوك علي؟ فقال : نعم. قال : فاذهب فبشر المذنبين، وأنذر الصديقين. فتحير داود فقال : يا رب، غلطت أنا أم لا؟ قال : ما غلطت يا داود. قال : وكيف ذلك؟ قال : بشر المذنبين بأني غفور، وأنذر الصديقين بأني غيور. فسئل : من الصديقون؟ فقال : الذين عدوا أنفاسهم بالتسبيح والتقديس، وحفظوا الجوارح والحواس، فصار قولهم وفعلهم صدقا، وصار ظاهرهم وباطنهم صدقا، وصار دخولهم في الأشياء وخروجهم عنها بالصدق، ومرجعهم إلى مقعد صدق عند مليك مقتدر.
[سورة الأنعام (٦) : آية ٦٩]
وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٦٩)
وقوله سبحانه وتعالى : وَلكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [٦٩] قال : إن اللّه تعالى أخذ على أوليائه التذكرة لعباده، كما أخذ التبليغ على أنبيائه صلوات اللّه عليهم أجمعين. فعلى أولياء اللّه أن يدلوا عليه، فمتى قعدوا عن ذلك كانوا مقصرين. قيل له : فقد رأينا كثيرا منهم
________
(١) ورد هذا القول منسوبا إلى عتبة الغلام في الحلية ١٠/ ٨١.
(٢) الحلية ٤/ ٣٢ وصفوة الصفوة ٢/ ٢٩٣ وفي الحلية ٢/ ٣٦٤ أنه حديث بين اللّه عزّ وجلّ ونبيه موسى عليه السلام.