تفسير التستري، ص : ٢١١
السورة التي يذكر فيها الناس
[سورة الناس (١١٤) : الآيات ٤ الى ٦]
مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦)
قوله تعالى : مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ [٤] قيل لسهل : ما الوسوسة؟ فقال : كل شيء دون اللّه تعالى فهو وسوسة، وإن القلب إذا كان مع اللّه تعالى فهو قائل عن اللّه تعالى، وإذا كان مع غيره فهو قائل مع غيره.
ثم قال : من أراد الدنيا لم ينج من الوسوسة، ومقام الوسوسة من العبد مقام النفس الأمارة بالسوء، وهو ذكر الطبع، فوسوسة العدو في الصدور، كما قال : يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [٥- ٦] يعني في صدور الجن والإنس جميعا، ووسوسة النفس في القلب.
قال اللّه تعالى : وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق : ١٦] وإن معرفة النفس أخفى من معرفة العدو، ومعرفة العدو أجلى من معرفة الدنيا، وأسر العدو معرفته، فإذا عرفته فقد أسرته، وإن لم تعرف أنه العدو وأسرك فإنما مثل العبد والعدو والدنيا كمثل الصياد والطير والحبوب، فالصياد إبليس، والطير العبد، والحبوب الدنيا، وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع، فإن كنت صائما فأردت أن تفطر قال لك : ما يقول الناس، أنت قد عرفت بالصوم تركت الصيام. فإن قلت : مالي وللناس. قال لك : صدقت أفطر، فإنهم سيضعون أمرك على الحسبة والإخلاص في فطرك، وإن كنت عرفت بالعزلة فخرجت. قال : ما يقول الناس، تركت العزلة.
فإن قلت : مالي وللناس. قال : صدقت اخرج فإنهم سيضعون أمرك على الإخلاص والحسبة.
وكذلك في كل شيء من أمرك، يردك إلى الناس حتى كأنه ليأمرك بالتواضع للشهرة عند الناس.
ولقد حكي أن رجلا من العباد كان لا يغضب، فأتاه الشيطان وقال : إنك إن تغضب وتصبر كان أعظم لأجرك. ففطن به العابد فقال : وكيف يجيء الغضب؟ قال : آتيك بشيء فأقول : لمن هو؟
فقل : هو لي، فأقول : بل هو لي. فأتاه بشيء وقال العابد : هو لي، فقال الشيطان : لا بل هو لي.
فقال العابد : إن كان لك فاذهب به، ولم يغضب، فرجع الشيطان خائبا حزينا، أراد أن يشغل قلبه حتى يصيب منه حاجته، فعرفه واتقى غروره.
ثم قال سهل : عليك بالإخلاص تسلم من الوسوسة، وإياك والتدبير فإنه داء النفس، وعليك بالاقتداء فإنه أساس العمل، وإياك والعجب فإن أدنى باب منه لم تستتمه حتى تدخل النار، وعليك بالقنوع والرضا، فإن العيش فيهما، وإياك والائتمار على غيرك، فإنه لينسيك نفسك، وعليك بالصمت، فأنت تعرف الأحوال فيه، وعليك بترك الشهوات تنقطع به عن الدنيا، وعليك بسهر الليل تموت نفسك من ميلة طبعك وتحيي قلبك، وإذا صليت فاجعلها