سُورَةُ عَبَسَ مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى﴾ [عبس: ٢] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿عَبَسَ﴾ [المدثر: ٢٢] : قُبِضَ وَجْهُهُ تَكَرُّهًا ﴿وَتَوَلَّى﴾ [يوسف: ٨٤] يَقُولُ: وَأَعْرَضَ ﴿أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى﴾ [عبس: ٢] يَقُولُ: لِأَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى. وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْقُرَّاءِ أَنَّهُ كَانَ يُطَوِّلُ الْأَلِفَ وَيَمُدُّهَا مِنْ ﴿أَنْ جَاءَهُ﴾ [عبس: ٢] فَيَقُولُ: (آنْ جَاءَهُ) وَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ كَانَ عِنْدَهُ: أَأَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى عَبَسَ وَتَوَلَّى؟ كَمَا قَرَأَ مَنْ قَرَأَ: ﴿أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ﴾ [القلم: ١٤] بِمَدِّ الْأَلِفِ مِنْ أَنْ وَقَصْرِهَا وَذُكِرَ أَنَّ الْأَعْمَى الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، هُوَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، عُوتِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِهِ
ذِكْرُ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، مِمَّا عَرَضَهُ عَلَيْهِ عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أُنْزِلَتْ ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾ [عبس: ١] فِي ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، قَالَتْ: أَتَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَقُولُ: أَرْشِدْنِي، قَالَتْ: وَعِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ، قَالَتْ: فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْرِضُ عَنْهُ، وَيُقْبِلُ عَلَى الْآخَرِ، -[١٠٣]- وَيَقُولُ: «أَتَرَى بِمَا أَقُولُهُ بَأْسًا؟» فَيَقُولُ: لَا؛ فَفِي هَذَا أُنْزِلَتْ: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾ [عبس: ١]


الصفحة التالية
Icon