سُورَةُ اللَّيْلِ مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا إِحْدَى وَعِشْرُونَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُقْسِمًا بِاللَّيْلِ إِذَا غَشِيَ النَّهَارَ بِظُلْمَتِهِ، فَأَذْهَبَ ضَوْءُهُ، وَجَاءَتْ ظُلْمَتُهُ: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾ [الليل: ١] النَّهَارَ ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ [الليل: ٢] وَهَذَا أَيْضًا قَسَمٌ، أَقْسَمَ بِالنَّهَارِ إِذَا هُوَ أَضَاءَ فَأَنَارَ، وَظَهَرَ لِلْأَبْصَارِ، مَا كَانَتْ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ قَدْ حَالَتْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رُؤْيَتِهِ وَإِتْيَانِهِ إِيَّاهَا عِيَانًا، وَكَانَ قَتَادَةُ يَذْهَبُ فِيمَا أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَنَّهُ إِنَّمَا أَقْسَمَ بِهِ لِعِظَمِ شَأْنِهِ عِنْدَهُ، كَمَا
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ [الليل: ٢] قَالَ: آيَتَانِ عَظِيمَتَانِ يُكَوِّرُهُمَا اللَّهُ عَلَى الْخَلَائِقِ
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾ [الليل: ٣] يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْتُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا﴾ [الشمس: ٦] وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ مَا بِمَعْنَى مِنْ، فَيَكُونَ ذَلِكَ قَسَمًا مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِخَالِقِ الذَّكَرَ -[٤٥٦]- وَالْأُنْثَى، وَهُوَ ذَلِكَ الْخَالِقُ، وَأَنْ تَجْعَلَ مَا مَعَ مَا بَعْدَهَا بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَيَكُونَ قَسَمًا بِخَلْقِهِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ: أَنَّهُمَا كَانَا يَقْرَآنِ ذَلِكَ (وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى) وَيَأْثُرُهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ذِكْرُ الْخَبَرِ بِذَلِكَ


الصفحة التالية
Icon