سُورَةُ الْكَافِرُونَ مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سِتٌّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمِهِ فِيمَا ذُكِرَ عَرَضُوا عَلَيْهِ أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ سَنَةً، عَلَى أَنْ يَعْبُدَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلِهَتَهُمْ سَنَةً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ مَعْرِفَةَ جَوَابِهِمْ فِي ذَلِكَ: ﴿قُلْ﴾ [البقرة: ٨٠] يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ سَأَلُوكَ عِبَادَةَ آلِهَتِهِمْ سَنَةً، عَلَى أَنْ يَعْبُدُوا إِلَهَكَ سَنَةً ﴿يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ [الكافرون: ١] بِاللَّهِ ﴿لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ [الكافرون: ٢] مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ الْآنَ ﴿وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ﴾ [الكافرون: ٣] الْآنَ ﴿وَلَا أَنَا عَابِدٌ﴾ [الكافرون: ٤] فِيمَا أَسْتَقْبِلُ ﴿مَا عَبَدتُّمْ﴾ [الكافرون: ٤] فِيمَا مَضَى ﴿وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ﴾ [الكافرون: ٣] فِيمَا تَسْتَقْبِلُونَ أَبَدًا ﴿مَا أَعْبُدُ﴾ [الكافرون: ٣] أَنَا الْآنَ، وَفِيمَا أَسْتَقْبِلُ. وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْخِطَابَ مِنَ اللَّهِ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَشْخَاصٍ بِأَعْيَانِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ أَبَدًا، وَسَبَقَ لَهُمْ ذَلِكَ فِي السَّابِقَ مِنْ عِلْمِهِ، فَأَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُؤَيِّسَهُمْ مِنَ الَّذِي طَمِعُوا فِيهِ، وَحَدَّثُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ كَائِنٍ مِنْهُ وَلَا مِنْهُمْ، فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، وَآيَسَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الطَّمَعِ فِي إِيمَانِهِمْ، وَمِنْ أَنْ يُفْلِحُوا أَبَدًا، فَكَانُوا كَذَلِكَ لَمْ يُفْلِحُوا وَلَمْ يَنْجَحُوا، إِلَى أَنْ قُتِلَ بَعْضُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ بِالسَّيْفِ، وَهَلَكَ بَعْضٌ قَبْلَ ذَلِكَ كَافِرًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، وَجَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ


الصفحة التالية
Icon