روى الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب قال :« كان إذا نزل على رسول الله ﷺ الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل، فلبثنا ساعة، فاستقبل القبلة، ورفع يديه وقال :» اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وارض عنا وأرضِنا، ثم قال : لقد أنزل عليَّ عشر آيات من أقامهن دخل الجنة « ثم قرأ ﴿ قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون ﴾ حتى ختم العشر. وقال النسائي في تفسيره عن يزيد بن بابنوس، قال، قلنا لعائشة أم المؤمنين : كيف كان خلق رسول الله ﷺ ؟ قالت : كان خلق رسول الله ﷺ القرآن، فقرأت :﴿ قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون ﴾ - حتى انتهت إلى - ﴿ والذين هُمْ على صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ قالت : هكذا كان خلق رسول الله ﷺ. وعن أنس رضي الله عنه قال، قال رسول الله ﷺ :» خلق الله جنة عدن بيده لبنة من درة بيضاء، ولبنة من ياقوتة حمراء، ولبنة من زبرجدة خضراء، ملاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ، وحشيشها الزعفران، ثم قال لها : انطقي، قالت :﴿ قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون ﴾، فقال الله : وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل « ؛ ثم تلا رسول الله ﷺ :﴿ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فأولئك هُمُ المفلحون ﴾ [ الحشر : ٩ ]، وقوله تعالى :﴿ قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون ﴾ أي قد فازوا وسعدوا وحصلوا على الفلاح وهم المؤمنون المتصفون بهذه الأوصاف ﴿ الذين هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ قال ابن عباس :﴿ خَاشِعُونَ ﴾ خائفون ساكنون، وعن علي الخشوع خشوع القلب، وقال الحسن البصري : كان خشوعهم في قلوبهم، فغضوا بذلك أبصارهم، وخفضوا الجناح. وقال محمد بن سيرين : كان أصحاب رسول الله ﷺ يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة فلما نزلت هذه الآية :﴿ قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون * الذين هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ خفضوا أبصارهم إلى موضع سجودهم، والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها وآثرها على غيرها، وحينئذٍ تكون راحة له وقرة عين؛ كما قال النبي ﷺ :» حبّب إليَّ الطيب، والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة « وكان رسول الله ﷺ يقول :» يا بلال، أرحنا بالصلاة «.
وقوله تعالى :﴿ والذين هُمْ عَنِ اللغو مُّعْرِضُونَ ﴾ أي عن الباطل وهو يشمل الشرك كما قاله بعضهم، والمعاصي كما قاله آخرون، وما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال كما قال تعالى :﴿ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً ﴾ [ الفرقان : ٧٢ ]، قال قتادة : أتاهم والله من أمر الله ما وقفهم عن ذلك، وقوله :﴿ والذين هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ﴾ الأكثرون على أن المراد بالزكاة هاهنا زكاة الأموال مع أن هذه الآية مكية، وإنما فرضت الزكاة بالمدينة في سنة اثنتين من الهجرة، والظاهر أن أصل الزكاة كان واجباً بمكة، قال تعالى في سورة الأنعام وهي مكية :