أما الكلام على الحروف المقطعة فقد تقدم في أول سورة البقرة، وقوله تعالى :﴿ أَحَسِبَ الناس أَن يتركوا أَن يقولوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ﴾ استفهام إنكار، ومعناه أن الله سبحانه وتعالى لا بد أن يبتلى عباده المؤمنين، بحسب ما عندهم من الإِيمان، كما جاء في الحديث الصحيح :« أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلابة زيد له في البلاء » وهذه الآية كقوله :﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصابرين ﴾ [ آل عمران : ١٤٢ ]، وقال في البقرة :﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ البأسآء والضرآء وَزُلْزِلُواْ حتى يَقُولَ الرسول والذين آمَنُواْ مَعَهُ متى نَصْرُ الله ألا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ ﴾ [ البقرة : ٢١٤ ] ولهذا قال هاهنا :﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا الذين مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ الكاذبين ﴾ أي الذين صدقوا في دعوى الإِيمان، ممن هو كاذب في قوله ودعواه، والله سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون. وهذا مجمع عليه عند أئمة السنة والجماعة، وبهذا يقول ابن عباس وغيره في مثل قوله :﴿ إِلاَّ لِنَعْلَمَ ﴾ [ البقرة : ١٤٣ ] إلاّ لنرى، وذلك لأن الرؤية إنما تتعلق بالموجود والعلم أعم من الرؤية فإنه يتعلق بالمعدوم والموجود، وقوله تعالى :﴿ أَمْ حَسِبَ الذين يَعْمَلُونَ السيئات أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ أي لا يحسبن الذين لم يدخلوا في الإِيمان أنه يتخلصون من هذه الفتنة والامتحان، فإن من ورائهم من العقوبة والنكال ما هو أغلظ من هذا وأطم، ولهذا قال :﴿ أَمْ حَسِبَ الذين يَعْمَلُونَ السيئات أَن يَسْبِقُونَا ﴾ أي يفوتونا ﴿ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ أي بئس ما يظنون.