﴿ ق ﴾ حرف من حروف الهجاء المذكورة في أوائل السور، كقوله تعالى :﴿ ص ﴾ و ﴿ ن ﴾ و ﴿ الم ﴾ ونحو ذلك قاله مجاهد وغيره، وقد أسلفنا الكلام عليها في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته، وقوله تعالى :﴿ والقرآن المجيد ﴾، أي الكريم العظيم الذي ﴿ لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [ فصلت : ٤٢ ]، واختلفوا في جواب القسم ما هو؟ فحكى ابن جرير عن بعض النحاة أنه قوله تعالى :﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأرض مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ﴾ وفي هذا نظر، بل الجواب هو مضمون الكلام بعد القسم وهو إثبات النبوة وإثبات المعاد وتقريره وتحقيقه، وإن لم يكن القسم يتلقى لفظاً، وهذا كثير في أقسام القرآن كما تقدم في قوله :﴿ ص والقرآن ذِي الذكر * بَلِ الذين كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ ﴾ [ ص : ١-٢ ]، وهكذا قال هاهنا ﴿ ق والقرآن المجيد * بَلْ عجبوا أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الكافرون هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ ﴾ أي تعجبوا من إرسال رسول إليهم من البشر، كقوله جلّ جلاله :﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إلى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ الناس ﴾ [ يونس : ٢ ] أي وليس هذا بعجيب، فإن الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس، ثم قال عزّ وجلّ مخبراً عنهم في تعجبهم أيضاً من المعاد واستبعادهم لوقوعه ﴿ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ﴾ أي يقولون أئذا متنا وبلينا وتقطعت الأوصال منا وصرنا تراباً، كيف يمكن الرجوع بعد ذلك إلى هذه البنية والتركيب؟ ﴿ ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ﴾ أي بعيد الوقوع، والمعنى أنهم يعتقدون استحالته وعدم إمكانه، قال الله تعالى راداً عليهم ﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأرض مِنْهُمْ ﴾ أم ما تأكل من أجسادهم في البلى، نعلم ذلك لا يخفى علينا أين تفرقت الأبدان، وأين ذهبت وإلى أين صارت ﴿ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ﴾ أي حافظ لذلك، فالعلم شامل والكتاب أيضاً فيه كل الأشياء مضبوطة، قال ابن عباس ﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأرض مِنْهُمْ ﴾ أي ما تأكل من لحومهم وأبشارهم، وعظامهم وأشعارهم؛ ثم بين تبارك وتعالى سبب كفرهم وعنادهم واستبعادهم ما ليس ببعيد، فقال :﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بالحق لَمَّا جَآءَهُمْ فَهُمْ في أَمْرٍ مَّرِيجٍ ﴾ أي وهذا حال كل من خرج عن الحق مهما قال بعد ذلك فهو باطل، و « المريج » المختلف المضطرب المنكر، كقوله تعالى :﴿ إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ﴾ [ الذاريات : ٨-٩ ].