يخبر تعالى عن فضله ورحمته بخلقه، أنه أنزل على عباده القرآن، ويسر حفظه وفهمه على من رحمه، فقال تعالى :﴿ الرحمن * عَلَّمَ القرآن * خَلَقَ الإنسان * عَلَّمَهُ البيان ﴾ قال الحسن : يعني النطق، وقال الضحّاك : يعني الخير والشر، وقول الحسن هاهنا أحسن وأقوى، لأن السياق في تعليمه تعالى القرآن وهو أداء تلاوته، وإنما يكون ذلك بتيسير النطق على الخلق، وتسهيل خروج الحروف من مواضعها، على اختلاف مخارجها وأنواعها، وقوله تعالى :﴿ الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ ﴾ أي يجريان متعاقبين بحساب مقنّن، لا يختلف ولا يضطرب. ﴿ لاَ الشمس يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القمر وَلاَ اليل سَابِقُ النهار وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [ يس : ٤٠ ]، وقال تعالى :﴿ فَالِقُ الإصباح وَجَعَلَ الليل سَكَناً والشمس والقمر حُسْبَاناً ذلك تَقْدِيرُ العزيز العليم ﴾ [ الأنعام : ٩٦ ]. وقوله تعالى :﴿ والنجم والشجر يَسْجُدَانِ ﴾ اختلف المفسرون في معنى قوله ﴿ والنجم ﴾، فروي عن ابن عباس ﴿ والنجم ﴾ ما انبسط على وجه الأرض، يعني من النبات، وقال مجاهد : النجم الذي في السماء، وكذا قال الحسن وقتادة، وهذا القول هو الأظهر والله أعلم، لقوله تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدوآب وَكَثِيرٌ مِّنَ الناس ﴾ [ الحج : ١٨ ] الآية، وقوله تعالى :﴿ والسمآء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الميزان ﴾ يعني العدل، كما قال تعالى :﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بالبينات وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكتاب والميزان لِيَقُومَ الناس بالقسط ﴾ [ الحديد : ٢٥ ] وهكذا قال هاهنا :﴿ أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي الميزان ﴾ أي خلق السماوات والأرض بالحق والعدل، لتكون الأشياء كلها بالحق والعدل، ولهذا قال تعالى :﴿ وَأَقِيمُواْ الوزن بالقسط وَلاَ تُخْسِرُواْ الميزان ﴾ أي لا تبخسوا الوزن بل زنوا بالحق والقسط، كما قال تعالى :﴿ وَزِنُواْ بالقسطاس المستقيم ﴾ [ الإسراء : ٣٥، ١٨ ].
وقوله تعالى :﴿ والأرض وَضَعَهَا لِلأَنَامِ ﴾ أي السماء أرساها بالجبال الشامخات، لتستقر بما على وجهها من الأنام، وهم الخلائق المختلفة أنواعهم وأشكالهم وألوانهم في سائر أقطارها وأرجائها، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : الأنام : الخلق، ﴿ فِيهَا فَاكِهَةٌ ﴾ اي مختلفة الألوان والطعوم والروائح، ﴿ والنخل ذَاتُ الأكمام ﴾ أفرده بالذكر لشرفه ونفعه رطباً ويابساً، والأكمام : قال ابن عباس : هي أوعية الطلع، وهو الذي يطلع فيه القنو، ثم ينشق عن العنقود فيكون بسراً ثم رطباً، ثم ينضج ويتناهى ينعه واستواؤه، وقيل الأكمام رفاتها، وهو الليف الذي على عنق النخلة، وهو قول الحسن وقتادة، ﴿ والحب ذُو العصف والريحان ﴾ قال ابن عباس :﴿ ذُو العصف ﴾ يعني التبن، وعنه : العصف ورق الزرع الأخضر الذي قطع رؤوسه، فهو يسمى العصف إذا يبس، وكذا قال قتادة والضحاك : عصفة : تبنه، وقال ابن عباس ومجاهد : والريحان يعني الورق، وقال الحسن : هو ريحانكم هذا، ومعنى هذا والله أعلم أن الحب كالقمح والشعير ونحوهما، له ف يحال نباته عصف وهو ما على السنبلة، وريحان وهو الورق الملتف على ساقها، وقيل : العصف الورق أول ما ينبت الزرع بقلا، والريحان الورق يعني إذا أدجن وانعقد فيه الحب، كما قال زيد بن عمرو بن نفيل في قصيدته المشهورة :