الواقعة من أسماء يوم القيامة، سميت بذلك لتحقق كونها ووجودها كما قال تعالى :﴿ فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الواقعة ﴾ [ الحاقة : ١٥ ] وقوله تعالى :﴿ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ﴾ أي ليس لوقوعها إذا أراد الله كونها صارف يصرفها ولا دافع يدفعها، كما قال :﴿ استجيبوا لِرَبِّكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ ﴾ [ الشورى : ٤٧ ]، وقال :﴿ سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ ﴾ [ المعارج : ١٢ ]، ومعنى ﴿ كَاذِبَةٌ ﴾ أي لا بد أن تكون، قال قتادة : ليس فيها ارتداد ولا رجعة، قال ابن جرير : والكاذبة مصدر كالعاقبة والعافية، وقوله تعالى :﴿ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ ﴾ أي تخفض أقواماً إلى أسفل سافلين إلى الجحيم، وإن كانوا في الدنيا أعزاء، وترفع آخرين إلى أعلى عليين إلى النعيم المقيم، وإن كانوا في الدنيا وضعاء، وعن ابن عباس :﴿ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ ﴾ تخفض أقواماً وترفع آخرين، وقال عثمان بن سراقة : الساعة خفضت أعداء الله إلى النار، ورفعت أولياء الله إلى الجنة، وقال محمد بن كعب : تخفض رجالاً كانا في الدنيا مرتفعين، وترفع رجالاً كانوا في الدنيا مخفوضين، وقال السدي : خفضت المتكبرين ورفعت المتواضعين، وقوله تعالى :﴿ إِذَا رُجَّتِ الأرض رَجّاً ﴾ أي حركت تحريكاً فاهتزتع واضطربت بطولها وعرضها، ولهذا قال ابن عباس ومجاهد ﴿ إِذَا رُجَّتِ الأرض رَجّاً ﴾ أي زلزلت زلزالاً، وقال الربيع بن أنَس : ترج بما فيها كرج الغربال بما فيه، كقوله تعالى :﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا ﴾ [ الزلزلة : ١ ]، وقال تعالى :﴿ إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾ [ الحج : ١ ]، وقوله تعالى :﴿ وَبُسَّتِ الجبال بَسّاً ﴾ أي فتتت فتاً، قاله ابن عباس ومجاهد، وقال ابن زيد : صارت الجبال كما قال الله تعالى :﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ [ المزمل : ١٤ ]، وقوله تعالى :﴿ فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً ﴾ عن علي رضي الله عنه : هباء منبثاً كرهج الغبار يسطع ثم يذهب فلا يبقى منه شيء، وقال ابن عباس : الهباء الذي يطير من النار إذا اضطرمت يطير منه الشرر، فإذا وقع لم يكن شيئاً، وقال عكرمة : المنبث الذي قد ذرته الريح وبثته، وقال قتادة :﴿ مُّنبَثّاً ﴾ كيابس الشجر الذي تذروه الرياح، وهذه الآية كأخواتها الدالة على زوال الجبال عن أماكنها يوم القيامة، وذهابها ونسفها أي قلعها وصيرورتها كالعهن المنفوش.
وقوله تعالى :﴿ وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً ﴾ أي ينقسم الناس يوم القيامة إلى ثلاثة أصناف : قوم عن يمين العرش، وهم الذي يؤتون كتبهم بأيمانهم، وهم جمهور أهل الجنة، وآخرون عن يسار العرش، وهم الذين يؤتون كتبهم بشمالهم ويؤخذ بهم ذات الشمال وهم عامة أهل النار، وطائفة سابقون بين يديه عزّ وجلّ وهم أحظى وأقرب من أصحاب اليمين، فيهم الرسل والأنبياء والصديقون والشهداء، وهم أقل عدداً من أصحاب اليمين، لهذا قال تعالى :﴿ فَأَصْحَابُ الميمنة مَآ أَصْحَابُ الميمنة * وَأَصْحَابُ المشأمة مَآ أَصْحَابُ المشأمة * والسابقون السابقون ﴾، وهكذا قسمهم إلى هذه الأنواع الثلاثة في آخر السورة وقت احتضارهم، وهكذا ذكرهم في قوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon