يخبر تعالى أن جميع ما في السماوات والأرض يسبّح له ويمجِّده، ويقدِّسه ويوحِّده كقوله تعالى :﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السماوات السبع والأرض وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [ الإسراء : ٤٤ ]، وقوله تعالى :﴿ وَهُوَ العزيز ﴾ أي منيع الجناب ﴿ الحكيم ﴾ في قدره وشرعه، وقوله تعالى :﴿ هُوَ الذي أَخْرَجَ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب ﴾ يعني يهود بني النضير، كان رسول الله ﷺ لما قدم المدينة هادنهم وأعطاهم عهداً وذمة على أن لا يقاتلهم ولا يقاتلوه فنقضوا العهد الذي كان بينهم وبينه، فأجلاهم النبي ﷺ، وأخرجهم من حصونهم الحصينة التي ظنوا أنها ما نعتهم من بأس الله، فما أغنى عنهم من الله شيئاً، وجاءهم من الله ما لم يكن ببالهم، وسيّرهم رسول الله ﷺ وأجلاهم من المدينة، فكان منهم طائفة ذهبوا إلى ( أذرعات ) من أعالي الشام، وهي أرض المحشر والمنشر، ومنهم طائفة ذهبوا إلى ( خيبر ) وكان قد أنزلهم منها على أن لهم ما حلمت إبلهم، فكانوا يخربون ما في بيوتهم من المنقولات التي يمكن أن تحمل معهم، ولهذا قال تعالى :﴿ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي المؤمنين فاعتبروا ياأولي الأبصار ﴾ أي تفكروا في عاقبة من خالف أمر الله وخالف رسوله، وكذّب كتابه، كيف يحل بهم من بأسه المخزي له في الدنيا، مع ما يدخره له في الآخرة من العذاب الأليم، روى أبو داود، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن رجل من أصحاب النبي ﷺ :« أن كفّار قريش كتبوا إلى ( ابن أبيّ ) ومن كان معه يعبد الأوثان من الأوس والخزرج، ورسول الله ﷺ يومئذٍ بالمدينة قبل رجعة بدر إنكم أدنيتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لنقاتلنه أو لنخرجنكم، أو لنسيرن إليكم بأجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم ونسبي نساءكم، فلما بلغ النبي ﷺ لقيهم فقال :» لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما كانت تكيدكم بأكثر مما تريد أن تكيدوا به أنفسكم، يريدون أن يقاتلوا أبناءكم وإخوانكم «، فلما سمعوا ذلك من النبي ﷺ تفرقوا، فبلغ ذلك كفار قريش، فكتبت كفار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود، إنكم أهل الحلقة والحصون وإنكم لتقاتلن مع صاحبنا أو لنفعلن كذا وكذا، ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء، وهو الخلاخيل، فلمّا بلغ كتابه النبي ﷺ أيقنت بنو النضير بالغدر، فأرسلوا إلى النبي ﷺ : اخرج إلينا في ثلاثين رجلاً من أصحابك ليخرج منا ثلاثون حبراً، حتى نلتقي بمكان النصف، وليسمعوا منك، فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا بك، فلما كان الغد غدا عليهم رسول الله ﷺ بالكتائب فحصرهم فقال لهم :» إنكم والله لا تؤمنون عندي إلاّ بعهد تعاهدوني عليه «، فأبوا أن يعطوه عهداً، فقاتلهم يومهم ذلك، ثم غدا من الغد على بني قريظة بالكتائب، وترك بن بني النضير ودعاهم إلى أن يعاهدوه فعاهدوه، فانصرف عنهم، وغدا إلى بني النضير بالكتائب فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء فجلت بنو النضير، واحتملوا ما أقلت الإبل من أمتعتهم وأبواب بيوتهم وخشبها، وكان نخل بني النضير لرسول الله ﷺ خاصة أعطاه الله إياها وخصه بها، فقال تعالى :﴿ وَمَآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ ﴾ [ الحشر : ٦ ] نقول بغير قتال، فأعطى النبي ﷺ أكثرها للمهاجرين قسمها بينهم، وقسم منها لرجلين من الأنصار، كانا ذوي حاجة ولم يقسم من الأنصار غيرهما »


الصفحة التالية
Icon