كان سبب نزول صدر هذه السورة الكريمة قصة ( حاطب بن أبي بلتعة )، وذلك أن حاطباً هذا كان رجلاً من المهاجرين وكان من أهل بدر أيضاً، وكان له بمكة أولاد ومال، ولم يكن من قريش أنفسهم، فلما عزم رسول الله ﷺ على فتح مكّة لما نقض أهلها العهد، أمر النبي ﷺ المسلمين بالتجهيز لغزوهم. وقال :« اللهم عمِّ عليهم خبرنا »، فعمد حاطب هذا فكتب كتاباً، وبعثه مع امرأة من قريش إلى أهل مكة يعلمهم بما عزم رسول الله ﷺ من غزوهم ليتخذ بذلك عندهم يداً. روى الإمام أحمد، عن علي رضي الله عنه قال :« بعثني رسول الله ﷺ أنا والزبير والمقداد فقال :» انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب، فخذوه منها « فانطلقنا تعادى بناخيلنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، قلنا : أخرجي الكتاب، قالت : ما معي كتاب، قلنا : لتخرجن الكتاب، أو لنلقينّ الثياب، قال : فأخرجت الكتاب من عقاصها، فأخذنا الكتاب، فأتينا به رسول الله ﷺ : فإذا فيه : من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله ﷺ فقال رسول الله ﷺ :» يا حاطب ما هذا؟ « قال : لا تعجل عليّ، إني كنت امرأ ملصقاً في قرش، ولم أكن من أنفسهم، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم، أن أتخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفراً ولا ارتداداً عن ديني، ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله ﷺ :» إنه صدقكم «، فقال : عمر : دعني اضرب عنق هذا المنافق، فقال رسول الله ﷺ :» إنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعلما ما شئتم فقد غفرت لكم « ». ونزلت فيه :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ ﴾. وهكذا قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغير واحد أن هذه الآيات نزل في حاطب بن أبي بلتعة، فقوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ مِّنَ الحق ﴾ يعني المشركين والكفّار الذي هم محاربون لله ولرسوله٨، نهى الله أن يتخذوهم أولياء وأصدقاء وأخلاء، كما قال تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ [ المائدة : ٥١ ] وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد، وقال تعالى :


الصفحة التالية
Icon