قد تقدم الكلام على حروف الهجاء في أول سورة البقرة، بما أغنى عن إعادته هاهنا، وقيل : المراد بقوله ﴿ ن ﴾ حوت عظيم وقيل : المراد بقوله ﴿ ن ﴾ لوح من نور، وقيل : المراد بقوله ﴿ ن ﴾ الدواة، ﴿ والقلم ﴾ القلم، روي عن الحسن وقتادة في قوله ﴿ ن ﴾ قالا : هي الدواة، وقوله تعالى :﴿ والقلم ﴾ الظاهر أنه جنس القلم الذي يكتب به كقوله تعالى :﴿ الذى عَلَّمَ بالقلم * عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [ العلق : ٤-٥ ] فهو قسم منه تعالى، وتنبيه لخلقه على ما أنعم به عليهم، من تعليم الكتابة التي بها تنال العلوم، ولهذا قال :﴿ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴾ قال ابن عباس : يعني وما يكتبون، وقال أبو الضحى عنه ﴿ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴾ أي وما يعملون، وقال السدي ﴿ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴾ يعني الملائكة وما تكتب من أعمال العباد، وقال آخرون : بل المراد هاهنا بالقلم الذي أجراه الله بالقدر، حين كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرضن بخمسين ألف عام، روى ابن أبي حاتم عن الوليد بن عبادة بن الصامت قالت :« دعاني أبي حين حضره الموت، فقال : إني سمعت رسول الله ﷺ يقول :» إن أول ما خلق الله القلم فقال : اكتب، قال : يا ربّ وما أكتب؟ قال اكتب القدر وما هو كائن إلى الأبد « وعن ابن عباس أنه كان يحدّث أن رسول الله ﷺ قال :» إن أول شيء خلقه الله القلم فأمره فكتب كل شيء «. وقال مجاهد ﴿ والقلم ﴾ يعني الذي كتب الذكر، وقوله تعالى :﴿ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴾ أي يكتبون كما تقدم.
وقوله تعالى :﴿ مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ﴾ أي لست ولله الحمد بمجنون، كما يقوله الجهلة من قومك، المكذبون بما جئتهم به من الهدى حيث نسبوك إلى الجنون، ﴿ وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ ﴾ أي بل إن لك الأجر العظيم، والثواب الجزيل الذي لا ينقطع ولا يبيد، على إبلاغك رسالة ربك إلى الخلق، وصبرك على أذاهم، ومعنى ﴿ غَيْرَ مَمْنُونٍ ﴾ أي غير مقطوع، كقوله :﴿ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾ [ هود : ١٠٨ ] ﴿ وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ ﴾ أي غير مقطوع عنهم، وقال مجاهد ﴿ غَيْرَ مَمْنُونٍ ﴾ : أي غير محسوب، وهو يرجع إلى ما قلناه، وقوله تعالى :﴿ وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ قال ابن عباس : وإنك لعلى دين عظيم وهو الإسلام، وقال عطية : لعلى أدب عظيم، وقال قتادة :» ذكر لنا أن سعد بن هشام سأل عائشة عن خلق رسول الله ﷺ فقالت : ألست تقرأ القرآن؟ قال : بلى، قالت : فإن خلق رسول الله ﷺ كان القرآن «، وورى الإمام أحمد عن الحسن قال :» سألت عائشة عن خلق رسول الله ﷺ فقالت : كان خلقه القرآن «