قد تقدم أن المقسم عليه إذا كان منتفياً جاز الإتيان بلا قبل القسم لتأكيد النفي، والمقسم عليه هاهنا هو إثبات المعاد، والرد على ما يزعمه الجهلة من عدم بعث الأجساد، ولهذا قال تعالى :﴿ لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القيامة * وَلاَ أُقْسِمُ بالنفس اللوامة ﴾ قال الحسن : أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة، وقال قتادة : بل أقسم بهما جميعاً والصحيح أنه أقسم بهما معاً وهو المروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير، واختاره ابن جرير، فأما يوم القيامة فمعروف، وأما النفس اللوامة فقال الحسن البصري : إن المؤمن والله ما نراه إلاّ يلوم نفسه : ما أردت بكلمتي، ما أردت بأكلتي، ما أردت بحديث نفسي، وإن الفاجر يمضي قدماً قدماً ما يعاتب نفسه، وعن سماك أنه سأل عكرمة عن قوله ﴿ وَلاَ أُقْسِمُ بالنفس اللوامة ﴾ قال : يلوم على الخبر والشر : لو فعلت كذا وكذا، وعن سعيد بن جبير قال : تلوم على الخبر والشر، وقال مجاهد : تندم على ما فات وتلوم عليه، وقال ابن عباس : اللوامة المذمومة، وقال قتادة :﴿ اللوامة ﴾ الفاجرة، قال ابن جرير : وكل هذه الأقوال متقاربة المعنى، والأشبه بظاهر التنزيل أنها التي تلوم صاحبها على الخير والشر، وتندم على ما فات. وقوله تعالى :﴿ أَيَحْسَبُ الإنسان أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ ﴾ ؟ أي يوم القيامة، أيظن أنا لا نقدر على إعادة عظامه وجمعها من أماكنها المتفرقة؟ ﴿ بلى قَادِرِينَ على أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ ﴾ قال ابن عباس : أن نجعله خفاً أو حافراً، والظاهر من الآية أن قوله تعالى :﴿ قَادِرِينَ ﴾ حال من قوله تعالى :﴿ نَّجْمَعَ ﴾ أي أيظن الإنسان أنا لا نجمع عظامه؟ بلى سنجمعها قادرين على أن نسوي بنانه، أي قدرتنا صالحة لجمعها، ولو شئنا لبعثناه أزيد مما كان، فنجعل بنانه وهي أطراف أصابعه مستوية، وهذا معنى قول ابن قتيبة والزجاج، وقوله :﴿ بَلْ يُرِيدُ الإنسان لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ﴾ قال ابن عباس : يعني يمضي قدماً، وعنه : يقول الإنسان : أعمل ثم أتوب قبل يوم القيامة، ويقال : هو الكفر بالحق بين يدي القيامة، وقال مجاهد ﴿ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ﴾ : ليمضي أمامه راكباً رأسه، وقال الحسن : لا يلفى ابن آدم إلاّ تنزع نفسه إلى معصية الله قدماً إلاّ من عصمه الله تعالى، وروي عن غير واحد من السلف : هو الذي يعجل الذنوب ويسوّف التوبة، وقال ابن عباس : هو الكافر يكذب بيوم الحساب، وهذا هو الأظهر من المراد، ولهذا قال بعده :﴿ يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ القيامة ﴾ ؟ أي يقول متى يكون يوم القيامة، وإنما سؤاله سؤال استبعاد لوقوعه وتكذيب لوجوده، كما قال تعالى :﴿ وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [ سبأ : ٢٩-٣٠ ]، وقال تعالى هاهنا :﴿ فَإِذَا بَرِقَ البصر ﴾ بكسر الراء أي حار كقوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon