روى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة ﴿ والمرسلات عُرْفاً ﴾ قال : هي الملائكة، وروي عن أبي صالح أنه قال : هي الرسل. وقال الثوري، عن أبي العبيدين قال : سألت ابن مسعود عن المرسلات عرفاً، قال : الريح : وكذا قال في :﴿ العاصفات عَصْفاً * والناشرات نَشْراً ﴾ إنها الريح، وكذا قال ابن عباس ومجاهد وقتادة، وتوقف ابن جرير في :﴿ المرسلات عُرْفاً ﴾ هل هي الملائكة إذا أرسلت بالعرف، أو كعرف الفرس يتبع بعضهم بعضاً، أو هي الرياح إذا هبت شيئاً فشيئاً؟ وقطع بأن ﴿ العاصفات عَصْفاً ﴾ الرياح، وتوقف في ﴿ الناشرات نَشْراً ﴾ هل هي الملائكة أو الريح كما تقدم، وعن أبي صالح أن ﴿ الناشرات نَشْراً ﴾ هي المطر، والأظهر أن ﴿ المرسلات ﴾ هي الرياح، كما قال تعالى :﴿ وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ ﴾ [ الحجر : ٢٢ ]، وقال تعالى :﴿ وَهُوَ الذي يُرْسِلُ الرياح بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ﴾ [ الأعراف : ٥٧ ]، وهكذا ﴿ العاصفات ﴾ هي الرياح، يُقال : عصفت الرياح إذا هبت بتصويت، وكذا ﴿ الناشرات ﴾ هي الرياح التي تنشر السحاب في آفاق السماء كما يشاء الرب عزَّ وجلَّ، وقوله تعالى :﴿ فالفارقات فَرْقاً * فالملقيات ذِكْراً * عُذْراً أَوْ نُذْراً ﴾ يعني الملائكة فإنها تنزل بأمر الله على الرسل تفرق بين الحق والباطل، والهدى والغي، والحلال والحرام، وتلقى إلى الرسل وحياً فيه إعذار إلى الخلق، وإنذار لهم عقاب الله إن خالفوا أمره، وقوله تعالى :﴿ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ ﴾ هذا هو المقسم عليه أي ما وعدتم به من قيام الساعة والنفخ في الصور وبعث الأجساد وجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد ومجازاة كل عامل بعمله إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، إن هذا كله لواقع أي كائن لا محالة، ثم قال تعالى :﴿ فَإِذَا النجوم طُمِسَتْ ﴾ أي ذهبت ضوءها كقوله تعالى :﴿ وَإِذَا النجوم انكدرت ﴾ [ التكوير : ٢ ]، وقوله :﴿ وَإِذَا السمآء فُرِجَتْ ﴾ أي فطرت وانشقت وتدلت أرجاؤها ووهت أطرافها، ﴿ وَإِذَا الجبال نُسِفَتْ ﴾ أي ذهب بها فلا يبقى لها عين ولا أثر، كقوله تعالى :﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً ﴾ [ طه : ١٠٥ ] الآية، وقال تعالى :﴿ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الجبال وَتَرَى الأرض بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ﴾ [ الكهف : ٤٧ ] وقوله تعالى :﴿ وَإِذَا الرسل أُقِّتَتْ ﴾ قال ابن عباس : جمعت، كقوله تعالى :﴿ يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل ﴾ [ المائدة : ١٠٩ ] وقال مجاهد :﴿ أُقِّتَتْ ﴾ أجلت، ثم قال تعالى :﴿ لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الفصل * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الفصل * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾ يقول تعالى : لأي يوم أجلت الرسل وأرجىء أمرها حتى تقوم الساعة، كما قال تعالى :﴿ فَلاَ تَحْسَبَنَّ الله مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ الله عَزِيزٌ ذُو انتقام ﴾ [ إبراهيم : ٤٧ ] وذلك في يوم الفصل كما قال تعالى :﴿ لِيَوْمِ الفصل ﴾ ثم قال تعالى معظماً لشأه :﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الفصل ﴾ ؟ ﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾ أي ويل لهم من عذاب الله غداً.


الصفحة التالية
Icon