﴿ والنازعات غَرْقاً ﴾ : الملائكة حين تنزع أرواح بني آدم، فمنهم من تأخذ روحه بعسر فتغرق في نزعها، ومنهم من تأخذ روحه بسهولة وكأنما حلته من نشاط، وهو قوله :﴿ والناشطات نَشْطاً ﴾ قاله ابن عباس وغيره، وعنه ﴿ والنازعات ﴾ : هي أنفس الكفّار تنزع ثم تنشط ثم تغرق في النار، وقال مجاهد :﴿ والنازعات غَرْقاً ﴾ : الموت. وقال الحسن وقتادة ﴿ والنازعات غَرْقاً * والناشطات نَشْطاً ﴾ : هي النجوم، والصحيح الأوّل وعليه الأكثرون. وأما قوله تعالى :﴿ والسابحات سَبْحاً ﴾ فقال ابن مسعود : هي الملائكة، وقال قتادة : هي النجوم، وقال عطاْ : هي السفن، وقوله تعالى :﴿ فالسابقات سَبْقاً ﴾ : يعني الملائكة، قال الحسن : سبقت إلى الإيمان والتصديق، وقال قتادة : هي النجوم، وقال عطاء : هي الخيل في سبيل الله، وقوله تعالى :﴿ فالمدبرات أَمْراً ﴾ قال علي ومجاهد : هي الملائكة تدبر الأمر من السماء والأرض، يعني بأمر ربها عزَّ وجلَّ، وقوله تعالى :﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة * تَتْبَعُهَا الرادفة ﴾ قال ابن عباس : هما النفختان الأولى والثانية، قال مجاهد : أما الأولى ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة ﴾ فكقوله جلَّت عظمته :﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الأرض والجبال ﴾ [ المزمل : ١٤ ]، وأما الثانية وهي الرادفة، كقوله :﴿ وَحُمِلَتِ الأرض والجبال فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ﴾ [ الحاقة : ١٤ ]، وفي الحديث قال رسول الله ﷺ :« » جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه « فقال رجل : يا رسول الله أرأيت إن جعلت صلاتي كلها عليك؟ قال :» إذاً يكفيك الله ما أهمك من دنياك وآخرتك « » رواه أحمد والترمذي، ولفظ الترمذي :« كان رسول الله ﷺ إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال :» يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه « » وقوله تعالى :﴿ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ ﴾ قال ابن عباس : يعني خائفة ﴿ أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ﴾ أي أبصار أصحابها وإنما أضيفت إليها للملابسة، أي ذليلة حقيرة مما عاينت من الأهوال.
وقوله تعالى :﴿ يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الحافرة ﴾ يعني مشركي قريش، يستبعدون وقوع البعث بعد المصير إلى ﴿ الحافرة ﴾ وهي القبور وبعد تمزق أجسادهم وتفتت عظامهم ونخورها، ولهذا قالوا :﴿ أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً ﴾ وقرىء : ناخرة أي بالية، قال ابن عباس : وهو العظم إذا بلي ودخلت الريح فيه، ﴿ قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ ﴾. وعن ابن عباس وقتادة : الحافرة الحياة بعد الموت، وقال ابن زيد : الحافرة النار، وما أكثر أسماءها! هي النار والجحيم وسقر وجهنم والهاوية والحافرة ولظى والحطمة، وأما قولهم :﴿ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ ﴾ فقال محمد بن كعب، قالت قريش : لرئن أحيانا الله بعد أن نموت لنخسرن، قال الله تعالى :﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُم بالساهرة ﴾ أي فإنما هو أمر من الله لا مثنوية فيه ولا تأكيد فإذا الناس قيام ينظرون، وهو أن يأمر تعالى إسرافيل فينفخ في الصور نفخة البعث، فإذا الألولون والآخرون قيام بين يدي الرب عزَّ وجلَّ ينظرون، كما قال تعالى :