قال مجاهد ﴿ والشمس وَضُحَاهَا ﴾ : أي وضوئها، وقال قتادة :﴿ وَضُحَاهَا ﴾ النهار كله. قال ابن جرير : والصواب أن يقال : أقسم الله بالشمس ونهارها، لأن ضوء الشمس الظاهر هو النهار، ﴿ والقمر إِذَا تَلاَهَا ﴾ قال مجاهد : تبعها، وقال ابن عباس :﴿ والقمر إِذَا تَلاَهَا ﴾ قال : يتلو النهار، وقال قتادة : إذا تلاها ليلة الهلال إذا سقطت الشمس رؤي الهلال. وقال ابن زيد : هو يتلوها في النصف الأول من الشهر، ثم هي تتلوه وهو يتقدمها في النصف الأخير من الشهر، وقوله تعالى :﴿ والنهار إِذَا جَلاَّهَا ﴾ قال مجاهد : أضاءها، وقال قتادة : إذا غشيها النهار، وتأول بعضهم ذلك بمعنى : والنهار إذا جلا الظلمة لدلالة الكلام عليها. ( قلت ) : ولو أن القائل تأول ذلك بمعنى ﴿ والنهار إِذَا جَلاَّهَا ﴾ أي البسيطة لكان أولى، ولصح تأويله في قوله تعالى :﴿ والليل إِذَا يَغْشَاهَا ﴾ فكان أجود وأقوى، والله أعلم. ولهذا قال مجاهد :﴿ والنهار إِذَا جَلاَّهَا ﴾ إنه كقوله تعالى :﴿ والنهار إِذَا تجلى ﴾ [ الليل : ٢ ]، وأما ابن جرير فاختار عود الضمير ذلك كله على الشمس لجريان ذكرها، وقالوا في قوله تعالى :﴿ والليل إِذَا يَغْشَاهَا ﴾ يعني إذا يغشى الشمس حين تغيب فتظلم الآفاق. وقال بقية : إذا جاء الليل قال الرب جلَّ جلاله : غشي عبادي خلقي العظيم، فالليل تهابه، والذي خلقه أحق أن أن يهاب. وقوله تعالى :﴿ والسمآء وَمَا بَنَاهَا ﴾ يحتمل أن تكون ( ما ) هاهنا مصدرية بمعنى : والسماء وبنائها، وهو قول قتادة، ويحتمل أن تكون بمعنى ( من ) يعني : والسماء وبانيها، وهو قول مجاهد، وكلاهما متلازم والبناء هو الرفع كقوله تعالى :﴿ والسمآء بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ ﴾ - أي بقوة - ﴿ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾، وقوله تعالى :﴿ والأرض وَمَا طَحَاهَا ﴾ قال مجاهد :﴿ طَحَاهَا ﴾ دحاها، وقال ابن عباس : أي خلق فيها، وقال مجاهد وقتادة والضحّاك :﴿ طَحَاهَا ﴾ بسطها، وهذا أشهر الأقوال، وعليه الأكثر من المفسرين وهو المعروف عند أهل اللغة، قال الجوهري : طحوته مثل دحوته أي بسطته، وقوله تعالى :﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴾ أي خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القويمة كما قال تعالى :﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ الله التي فَطَرَ الناس عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله ﴾ [ الروم : ٣٠ ]، وقال رسول الله ﷺ :« كل مولود يولد على الفطرة » وفي « صحيح مسلم » :« يقول الله عزَّ وجلَّ : إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم » و قوله تعالى :﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ أي فأرشدها إلى فجورها وتقواها أي بين ذلك لها وهداها إلى ما قدر لها، قال ابن عباس : بيّن لها الخير والشر، وقال سعيد بن جبير : ألهمها الخير والشر، وقال ابن زيد : جعل فيها فجورها وتقواها. وفي الحديث :« أن رجلاً من مزينة أو جهينة أتى رسول الله ﷺ فقال : يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون، أشيء قضي عليهم من قدر قد سبق، أم شيء مما يستقبلون مما أتاهم به نبيه ﷺ وأكدت به عليهم الحجة؟ قال :» بل شيء قد قضي عليهم «، قال : ففيم نعمل؟ قال :» من كان الله خلقه لإحدى المنزلتين يهيئه لها، وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى :﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ « ».


الصفحة التالية
Icon