يقول تعالى :﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ يعني قد شرحنا لك صدرك أي نورناه، وجعلناه فسيحاً رحيباً واسعاً كقوله :﴿ فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ ﴾ [ الأنعام : ١٢٥ ]، وكما شرح الله صدره كذلك جعل شرعه فسيحاً سمحاً سهلاً، لا حرج فيه ولا إصر ولا ضيق؟ وقيل : المراد بقوله :﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴾ شرح صدره ليلة الإسراء، وهذا وإ، كان واقعاً ليلة الإسراء ولكن لا منافاة، فإن من حملة شرح صدره الحسي الشرح المعنوي أيضاً، وقوله تعالى :﴿ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ﴾، بمعنى ﴿ لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ [ الفتح : ٢ ]، ﴿ الذي أَنقَضَ ظَهْرَكَ ﴾ الإنقاض الصوت أي أثقلك حمله، وقوله تعالى :﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ قال مجاهد : لا أذكر إلاّ ذكرت معي « أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أن محمداً رسول الله » وقال قتادة : رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلاّ ينادي بها، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، روى ابن جرير عن أبي سعيد عن رسول الله ﷺ أنه قال :« أتاني جبريل فقال : إن ربي وربك يقول، كيف رفعت ذكرك؟ قال : الله أعلم، قال : إذا ذكرتُ ذكرتَ معي » وحكى البغوي عن ابن عباس ومجاهد أن المراد بذلك الأذان، يعني ذكره فيه، كما قال حسان بن ثابت :
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه | إذا قال في الخمس المؤذن أشهد |
وشق له من اسمه ليجله | فذو العرش محمود وهذا محمد |
وقوله تعالى :﴿ فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً * إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً ﴾ أخبر تعالى أن مع العسر يوجد اليسر، ثم أكد هذا الخبر، بقوله ﴿ إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً ﴾، قال الحسن : كانوا يقولون : لا يغلب عسر واحد يسرين اثنين، وعن قتادة ذكر لنا أن رسول الله ﷺ بشّر أصحابه بهذه الآية فقال :« لن يغلب عسر يُسْرَيْن »، ومعنى هذا أن العسر معرف في الحالين، فهو مفرد، واليسر منكر، فتعدّد، ولهذا قال :« لن يغلب عسر يسرين » يعني قوله :﴿ فَإِنَّ مَعَ العسر يُسْراً * إِنَّ مَعَ العسر يُسْراً ﴾ فالعسر الاول عين الثاني، واليسر تعدّد ومما يروى عن الشافعي أنه قال :
صبراً جميلاً ما أقرب الفرجا | من راقب الله في الامور نجا |
من صدّق الله لم ينله أذى | ومن رجاه يكون حيث رجا |