يخبر تعالى أنه أنزل القرآن ﴿ لَيْلَةِ القدر ﴾ وهي الليلة المباركة التي قال الله عزَّ وجلَّ :﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ﴾ [ الدخان : ٣ ] وهي من شهر رمضان، كما قال تعالى :﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن ﴾ [ البقرة : ١٨٥ ]، قال ابن عباس : أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل مفصلاً بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله ﷺ، ثم قال تعالى معظماً لشأن ليلة القدر التي اختصها بإنزال القرآن العظيم فيها، فقال :﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القدر * لَيْلَةُ القدر خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾. روى ابن أبي حاتم، عن مجاهد « أن النبي ﷺ ذكر رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر، قال : فعجب المسلمون من ذلك قال : فأنزل الله عزَّ وجلَّ :﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القدر * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القدر * لَيْلَةُ القدر خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ » التي لبس ذلك الرجل السلاح في سبيل الله ألف شهر، وورى ابن جرير، عن مجاهد قال :« كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح، ثم يجاهد العدوّ بالنهار حتى يمسي، ففعل ذلك ألف شهر، فأنزل الله هذه الآية ﴿ لَيْلَةُ القدر خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴾ قيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل »، وقال سفيان الثوري : بلغني عن مجاهد ليلة القدر خير من ألف شهر قال : عملها وصيامها وقيامها خير من ألف شهر، وعن مجاهد : ليلة القدر خير من ألف شهر ليس في تلك الشهور ليلة القدر، وقال عمرو بن قيس : عملٌ فيها خير من علم ألف شهر، وهذا القول بأنها أفضل من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وهو اختيار ابن جرير، وهو الصواب، كقوله ﷺ :« رباط ليلة في سبيل الله خير من ألف ليلة فيما سواه من المنازل » وفي الحديث الصحيح في فضائل رمضان قال عليه السلام :« فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم » ولما كانت ليلة القدر تعدل عبادتها عبادة ألف شهر، ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال :« » من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه « وقوله تعالى :﴿ تَنَزَّلُ الملائكة والروح فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ﴾ أي يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحلق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم تعظيماً له، وأما الرح فقيل : المراد به ههنا جبريل عليه السلام، فيكون من باب عطف الخاص على العام، وقيل : هم ضرب من الملائكة كما تقدم في سورة النبأ، والله أعلم وقوله تعالى :﴿ مِّن كُلِّ أَمْرٍ ﴾ قال مجاهد : سلام هي من كل أمر، وقال سعيد بن منصور عن مجاهد في قوله :﴿ سَلاَمٌ هِيَ ﴾ قال : هي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءاً، أو يعمل فيها أذى، وقال قتادة : تقضى فيها الأمور، وتقدر الآجال والأرزاق، كما قال تعالى :


الصفحة التالية
Icon