أما أهل الكتاب فهم اليهود والنصارى، والمشركون عبدة الأوثان والنيران من العرب ومن العجم، قال مجاهد : لم يكونوا ﴿ مُنفَكِّينَ ﴾ يعني منتهين حتى يتبين لهم الحق ﴿ حتى تَأْتِيَهُمُ البينة ﴾ أي هذا القرآن، ولهذا قال تعالى :﴿ لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب والمشركين مُنفَكِّينَ حتى تَأْتِيَهُمُ البينة ﴾ ثم فسر البينة بقوله :﴿ رَسُولٌ مِّنَ الله يَتْلُواْ صُحُفاً مُّطَهَّرَةً ﴾ يعني محمداً ﷺ وما يتلوه من القرآن العظيم الذي هو مكتتب في الملأ الأعلى في صحف مطهرة. كقوله تعالى :﴿ فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴾ [ عبس : ١٣-١٦ ]، وقوله تعالى :﴿ فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ﴾ قال انب جرير : أي في الصحف المطهرة كتب من الله قيمة عادلة مستقيمة، ليس فها خطأ لأنها من عند الله عزَّ وجلَّ، قال قتادة ﴿ رَسُولٌ مِّنَ الله يَتْلُواْ صُحُفاً مُّطَهَّرَةً ﴾ يذكر القرآن بأحسن الذكر. ويثني عليه بأحسن الثناء، وق ابن زيد :﴿ فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ﴾ مستقيمة معتدلة، وقوله تعالى :﴿ وَمَا تَفَرَّقَ الذين أُوتُواْ الكتاب إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ البينة ﴾ كقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَكُونُواْ كالذين تَفَرَّقُواْ واختلفوا مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ البينات وأولئك لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [ آل عمران : ١٠٥ ]، يعني بذلك أهل الكتب المنزلة على الأمم قبلنا، وبعد ما أقام الله عليهم الحجج والبينات تفرقوا، واختلفوا في الذي أراده الله من كتبهم، واختلفوا اختلافاً كبيراً، كما جاء في الحديث المروي من طرق :« » إن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة وإن النصارى اختلفوا على اثنين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاثة وسبعين فرقة، كلها في النار إلاّ واحدة «، قالوا : من هم يا رسول الله؟ قال :» ما أنا عليه وأصحابي « »، وقوله تعالى :﴿ وَمَآ أمروا إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين ﴾ كقوله :﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نوحي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ أَنَاْ فاعبدون ﴾ [ الأنبياء : ٢٥ ]، ولهذا قال :﴿ حُنَفَآءَ ﴾ أي متحنفين من الشرك إلى التوحيد، كقوله :﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ﴾ [ النحل : ٣٦ ]، وقد تقدم تقرير الحنيف في سورة الأنعام بما أغنى عن إعادته ها هنا، ﴿ وَيُقِيمُواْ الصلاة ﴾ وهي أشرف عبادات البدن، ﴿ وَيُؤْتُواْ الزكاة ﴾ وهي الإحسان إلى الفقراء والمحاويج ﴿ وَذَلِكَ دِينُ القيمة ﴾ أي الملة القائمة العادلة، أو الأمة المستقيمة المعتدلة.