يقسم تعالى بالخيل إذا أجريت في سبيله، فعدت وضبحت، وهو الصوت الذي يسمع من الفرس حين تعدو، ﴿ فالموريات قَدْحاً ﴾ يعني اصطكاك نعالها للصخر، فتقدح منه النار، ﴿ فالمغيرات صُبْحاً ﴾ يغني الإغارة وقت الصباح كما كان رسول الله ﷺ يغير صباحاً ويستمع الأذان، فإن سمع أذناً وإلاّ أغار، وقوله تعالى :﴿ فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً ﴾ يعني غباراً في مكان معترك الخيول، ﴿ فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً ﴾ أي توسطن ذلك المكان كلهن جمع، روى ابن أبي حاتم، عن ابن عباس قال : بينا أنا في الحجر جالساً جاءني رجل فسألني عن :﴿ والعاديات ضَبْحاً ﴾ فقلت له : الخيل حين تغير في سبيل الله، ثم تأوي إلى الليل فيصنعون طعامهم، ويورون نارهم، فانفتل عني، فذهب إلى علي رضي الله عنه وهو عند سقاية زمزم، فسأله عن العاديات ضبحاً، فقال : سألت عنهم أحداً قبلي؟ قال : نعم سألت ابن عباس، فقال : الخيل حين تغير في سبيل الله، وقال اذهب فادعه لي، فلما وقف على رأسه، قال : أتفتي الناس بما لاعلم لك؟ والله لئن كان أول غزوة في الإسلام برد، وما كان معنا إلاّ فرسان فرس للزبير وفرس للمقداد، فكيف تكون العاديات ضبحاً؟ إنما العاديات ضبحاً من عرفة إلى المزدلفة ومن المزدلفة إلى منى، وفي لفظ : إنما العاديات ضبحاً من عرفة إلى المزدلفة، فإذا أووا إلى المزدلفة أوروا النيران، فمذهب ابن عباس أنها الخيل. وقال ( علي ) إنها الإبل. قال عطاء : ما ضبحت دابة قط إلاّ فرس أو كلب، وقال عطاء : سمعت ابن عباس يصف الضبح : أح أح، وقال أكثر هؤلاء في قوله :﴿ فالموريات قَدْحاً ﴾ يعني بحوافرها، وقيل : أسعرت الحرب بين ركبانهن، وقيل : هو إيقاد النار إذا رجعوا إلى منازلهم من الليل، وقيل : المراد بذلك نيران القبائل، قال ابن جرير : والصواب الأول : الخيل حين تقدح بحوافرها، وقوله تعالى :﴿ فالمغيرات صُبْحاً ﴾ قال ابن عباس ومجاهد : يعني إغارة الخيل صبحاً في سبيل الله، وقال : من فسرها بالإبل هو الدفع صبحاً من المزدلفة إلى منى، وقالوا كلهم في قوله :﴿ فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً ﴾ هو المكان الذي حلت فيه أثارت به الغبار إما في حج أو غزو، وقوله تعالى :﴿ فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً ﴾ قال ابن عباس وعطاء : يعني جمع الكفار من العدو، ويحتمل أن يكون فوسطن بذلك المكان جميعاً ويكون منصوباً على الحال المؤكدة، وقوله تعالى :﴿ إِنَّ الإنسان لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ﴾ هذا هو المقسم عليه، بمعنى أنه لنعم ربه لكفور جحود، قال ابن عباس ومجاهد : الكنود الكفور. قال الحسن : الكنود هو الذي يعد المصائب وينسى نعم الله عليه، وقوله تعالى :﴿ وَإِنَّهُ على ذَلِكَ لَشَهِيدٌ ﴾ قال قتادة والثوري : وإن الله على ذلك لشهيد، ويحتمل أن يعود الضمير على الإنسان فيكون تقديره : وإن الإنسان على كونه كنوداً لشهيد، أي بلسان حاله، أي ظاهر ذلك عليه في أقواله وأفعاله كما قال تعالى :