يقول تعالى : أشغلكم حب الدنيا ونعيمها وزهرتها عن طلب الآخرة وابتغائها، وتمادى بكم ذلك حتى جاءكم الموت وزرتم المقابر، وصرتم من أهلها، عن زيد بن أسلم قال، « قال رسول الله ﷺ :﴿ أَلْهَاكُمُ التكاثر ﴾ عن الطاعة، ﴿ حتى زُرْتُمُ المقابر ﴾ حتى يأتيكم الموت » وقال الحسن البصري :﴿ أَلْهَاكُمُ التكاثر ﴾ في الأموال والأولاد، وعن أُبيّ بن كعب قال :« كنا نرى هذا القرآن حتى نزلت :﴿ أَلْهَاكُمُ التكاثر ﴾ يعني :» لو كان لابن آدم واد من ذهب « » وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن الشخير قال : انتهيت إلى رسول الله ﷺ وهو يقول :« ﴿ أَلْهَاكُمُ التكاثر ﴾ يقول ابن آدم : مالي مالي، وهل لك من مالك إلاّ ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟ » وروى مسلم في « صحيحه » عن أبي هريرة رضي الله عنه قال؛ قال رسول الله ﷺ :« يقول العبد : مالي مالي، وإنما له من ماله ثلاث : ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو تصدّق فأمضى، وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس »، وروى البخاري عن أنَس بن مالك قال، قال رسول الله ﷺ :« يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى معه واحد : يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله » وعن أنَس أن النبي ﷺ قال :« يهرم ابن آدم ويبقى معه اثنتان : الحرص والأمل »، وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة الأحنف بن قيس أنه رأى في يد رجل درهماً فقال : لمن هذا الدرهم؟ فقال الرجل : لي، فقال : إنما هو لك إذا أنفقته في أجر، أو ابتغاء شكر، ثم أنشد الأحنف متمثلاً قول الشاعر :

أنت للمال إذا أمسكته فإذا أنفقته فالمال لك
وقال ابن بريدة : نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار ( بني حارثة ) و ( بني الحارث ) تفاخروا وتكاثروا، فقالت إحداهما : فيكم مثل فلان بن فلان وفلان، وقال الآخرون : مثل ذلك تفاخروا بالأحياء، ثم قالوا : انطلقوا بنا إلى القبور فجعلت إحدى الطائفتين، تقول : فيكم مثل فلان يشيرون إلى القبور، ومثل فلان. وفعل الآخرون مثل ذلك، فأنزل الله :﴿ أَلْهَاكُمُ التكاثر * حتى زُرْتُمُ المقابر ﴾ لقد كان لكم فيما رأيتم عبرة وشغل، وقال قتادة : كانوا يقولون : نحن أكثر من بني فلان، ونحن أعد من بني فلان، حتى صاروا من أهل القبور كلهم، والصحيح أن لمراد قوله :﴿ حتى زُرْتُمُ المقابر ﴾ أي صرتم إليها ودفنتم فيها، كما جاء في الصحيح « أن رسول الله ﷺ دخل على رجل من الأعراب يعوده، فقال :» لا بأس طهور إن شاء الله «، فقال، قلت : طهور، بل هي حمى تفور، على شيخ كبير، تزيره القبور، قال :» فنعم إذن « »


الصفحة التالية
Icon