يقول تعالى :﴿ أَرَأَيْتَ ﴾ يا محمد ﴿ الذي يُكَذِّبُ بالدين ﴾ وهو المعاد والجزاء والثواب ﴿ فَذَلِكَ الذي يَدُعُّ اليتيم ﴾ أي هو الذي يقهر اليتيم ولا يطعمه ولا يحسن إليه ﴿ وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين ﴾ كقوله ﴿ وَلاَ تَحَآضُّونَ على طَعَامِ المسكين ﴾ [ الفجر : ١٨ ]، ثم قال تعالى :﴿ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الذين هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ قال ابن عباس : يعني المنافقين الذين يصلون في العلانية، ولا يصلون في السر، ولهذا قال :﴿ لِّلْمُصَلِّينَ ﴾ الذين من أهل الصلاة ثم هم عنها ساهون، إما عن فعلها بالكلية، أو يخرجها عن وقتها، وقال عطاء بن دينار : الحمد لله الذي قال :﴿ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ ولم يقل ﴿ في صلاتهم ساهون ﴾ فيؤخرونها إلى آخر الوقت، أو لا يؤدونها بأركانها وشروطها عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها، فاللفظ يشمل ذلك كله، كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله ﷺ وسلم قال :« تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان فنقر أربعاً، لا يذكر الله فيها إلاّ قليلاً »، فهذا أخّر صلاة العصر التي هي الوسطى - كما ثبت به النص - إلى آخر وقتها، وهو وقت كراهة، ثم قال إليها فنقرها نقر الغراب، لم يطمئن ولا خشع فيها أيضاً، ولهذا قال :« لا يذكر الله فيها إلاّ قليلاً » ولعله إنما حمله على القيام إليها مراءاة الناس، لا ابتغاء وجه الله، فهو كما إذا لم يصل بالكلية، قال الله تعالى :﴿ إِنَّ المنافقين يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قاموا إِلَى الصلاة قَامُواْ كسالى يُرَآءُونَ الناس وَلاَ يَذْكُرُونَ الله إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ [ النساء : ١٤٢ ]، وقال تعالى هاهنا :﴿ الذين هُمْ يُرَآءُونَ ﴾، وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال :« إن في جهنم لوادياً تستعيذ جهنم من ذلك الوادي في كل يوم أربعمائة مرة، أعدّ ذلك الوادي للمرائين من أمة محمد : لحامل كتاب الله، وللمصدق في غير ذات الله، وللحاج إلى بيت الله، وللخارج في سبيل الله » وروى الإمام أحمد عن عمرو بن مرة قال : كنا جلوساً عند أبي عبيدة، فذكرا الرياء، فقال رجل يكنى بأبي يزيد : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : قال رسول الله ﷺ :« من سمّع بعمله سمّع الله به سامع خلقه وحقّره وصغّره »، ومما يتعلق بقوله تعالى :﴿ الذين هُمْ يُرَآءُونَ ﴾ أن من عمل عملاً لله فاطلع عليه الناس فأعجبه ذلك أن هذا لا يعد رياء، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :« كنت أصلي، فدخل عليّ رجل، فأعجبني ذلك فذكرته لرسول الله ﷺ فقال :» كتب لك أجران : أجر السر، وأجر العلانية « ».