بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
﴿الْحَمد لله الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَجعل الظُّلُمَات والنور ثمَّ الَّذين كفرُوا﴾قَوْله - تَعَالَى -: ﴿الْحَمد لله الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض﴾ حُكيَ عَن كَعْب الْأَحْبَار أَنه قَالَ: هَذِه الْآيَة أول آيَة فِي التَّوْرَاة، وَآخر آيَة فِي التَّوْرَاة:
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَقل الْحَمد لله الَّذِي لم يتَّخذ ولدا﴾ الْآيَة.
فَقَوله: ﴿الْحَمد لله﴾ مَعْنَاهُ: احمدوا الله، ذكر الْخَبَر بِمَعْنى الْأَمر، وَفَائِدَته: الْأَمر بِالْحَمْد وَتَعْلِيم الْحَمد؛ فَإِنَّهُ لَو قَالَ: احمدوا الله؛ دعت الْحَاجة إِلَى بَيَان كَيْفيَّة الْحَمد، وَقَوله: ﴿الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض﴾ إِنَّمَا خصهما بِالذكر؛ لِأَنَّهُمَا أعظم الْمَخْلُوقَات فِيمَا يرى الْعباد؛ وَلِأَن فيهمَا العبر وَالْمَنَافِع للعباد.
﴿وَجعل الظُّلُمَات والنور﴾ والجعل: بِمَعْنى الْخلق، ثمَّ اخْتلفُوا، قَالَ بَعضهم: الظُّلُمَات: اللَّيْل، والنور: النَّهَار، وَقَالَ بَعضهم: أَرَادَ بالظلمات: الْكفْر، وبالنور: الْإِيمَان، وَيدخل فِي الظُّلُمَات جَمِيع الظُّلُمَات، حَتَّى ظلمَة الْقلب، وظلمة الشَّك، وَنَحْو ذَلِك.
وَيدخل فِي النُّور جَمِيع الْأَنْوَار، حَتَّى نور الْقلب، وَنور الْيَقِين، وَنَحْو ذَلِك، وَقيل: أَرَادَ بالظلمات: الْجَهْل، وبالنور: الْعلم، وَقيل: أَرَادَ بالظلمات: الْمعْصِيَة، وبالنور: الطَّاعَة.
وروى عَن قَتَادَة أَنه قَالَ: إِن الله - تَعَالَى - خلق السَّمَاء قبل الأَرْض، وَاللَّيْل قبل النَّهَار، وَالْجنَّة قبل النَّار، وَقد قَالَ غَيره: خلق الأَرْض قبل السَّمَاء، وَسَيَأْتِي.
﴿ثمَّ الَّذين كفرُوا برَبهمْ يعدلُونَ﴾ قَالَ الْكسَائي: عدل الشَّيْء بالشَّيْء: إِذا ساواه بِهِ، وَمِنْه الْعدْل. وَمَعْنَاهُ: يعدلُونَ بِاللَّه غير الله، وَقَالَ مُجَاهِد: مَعْنَاهُ: ثمَّ الَّذين كفرُوا برَبهمْ يشركُونَ، والمعنيان متقاربان؛ لِأَن من سَاوَى غير الله بِاللَّه؛ فقد أشرك. وَقيل: قَوْله: ﴿ثمَّ الَّذين كفرُوا﴾ معنى لطيف، وَهُوَ مثل قَول الْقَائِل: أَنْعَمت عَلَيْك كَذَا، وتفضلت عَلَيْك بِكَذَا ثمَّ لَا تشكرني، ثمَّ تكفر بنعمتي.