﴿تحزن عَلَيْهِم واخفض جناحك للْمُؤْمِنين (٨٨) وَقل إِنِّي أَنا النذير الْمُبين (٨٩) كَمَا﴾ وَفِي بعض التفاسير عَن أبي رَافع: " أَن رَسُول الله أَتَاهُ ضيف فَلم يَك عِنْده مَا يقدمهُ إِلَيْهِ؛ فَبعث إِلَى يَهُودِيّ يستقرض مِنْهُ طَعَاما إِلَى هِلَال رَجَب، فَقَالَ الْيَهُودِيّ: وَالله لَا أعطينه إِلَّا برهن، فَقَالَ رَسُول الله: أَنا أَمِين الله فِي السَّمَاء وَالْأَرْض، وَلَو بَاعَنِي أَو أَسْلفنِي لقضيته ثمَّ بِعْت بدرعه فرهنها مِنْهُ؛ فَأنْزل الله تَعَالَى: ﴿لَا تَمُدَّن عَيْنَيْك إِلَى مَا متعنَا بِهِ﴾.
وَقَوله: ﴿واخفض جناحك للْمُؤْمِنين﴾ أَي: ألن جَانِبك للْمُؤْمِنين.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَقل إِنِّي أَنا النذير الْمُبين﴾ للحق.
قَوْله تَعَالَى: ﴿كَمَا أنزلنَا على المقتسمين﴾ فَإِن قَالَ قَائِل: مَا معنى الْكَاف هَاهُنَا، وَهِي للتشبيه؟ وَالْجَوَاب عَنهُ: أَن مَعْنَاهُ أنذركم عذَابا ينزل بكم، كَمَا أنزلنَا على المقتسمين من الْعَذَاب، وَيُقَال: إِن الْكَاف صلَة، وَمَعْنَاهُ: وَقل إِنِّي أَنا النذير الْمُبين مَا أنزلنَا على المقتسمين.
وَأما معنى المقتسمين فِيهِ أَقْوَال: أَحدهَا: أَنهم الْيَهُود وَالنَّصَارَى، وَمعنى الاقتسام مِنْهُم أَنهم آمنُوا بِبَعْض الْكتب وَكَفرُوا بِالْبَعْضِ، وَهَذَا قَول ابْن عَبَّاس.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنهم قُرَيْش، وَمعنى الاقتسام أَنهم فرقوا القَوْل فِي رَسُول الله فَقَالَ بَعضهم: هُوَ كَاهِن، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ سَاحر، وَبَعْضهمْ: هُوَ شَاعِر.
وَالْقَوْل الثَّالِث: ذكر الْفراء أَن أهل مَكَّة بعثوا بِقوم فِي طرق الواردين إِلَى مَكَّة أَيَّام الْمَوْسِم حَتَّى يَقُولُوا لمن لَقِيَهُمْ من الواردين إِلَى مَكَّة: لَا تقربُوا مُحَمَّدًا، وَكَانُوا يَسْأَلُونَهُمْ عَن حَاله؛ فَيَقُول بَعضهم: هُوَ كَاهِن، وَيَقُول بَعضهم: هُوَ مَجْنُون، وَيَقُول