سورة النساء
* ﴿ياأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾
(٤/٣١٢)
قوله تعالى: ﴿مِّن نَّفْسٍ﴾: متعلق بـ"خَلَقكم" فهو في محل نصب. و"مِنْ" لابتداء الغاية. وكذلك "منها زوجَها"، و"بَثَّ منها". انب أبي عبلة: "واحدٍ" من غير تاء، وله وجهان، أحدهما: مراعاةُ المعنى، لأن المراد بالنفس آدم عليه السلام،. والثاني: أن النفسَ تُذَكَّر وتؤنث، وعليه:
١٥٢٤ـ ثلاثةُ أنفُسٍ وثلاثُ ذَوْدٍ *.......................
قوله: "وخَلَقَ" فيه ثلاثةُ أوجه، أحدُها: أنه عطفٌ على معنى "واحدة" لِما فيه من معنى الفعل كأنه قيل: "مِنْ نفسٍ وَحُدتْ" أي انفردت، يُقال: "وَحُد، يَحِد، وَحْداً وحِدَة"، بمعنى انفرد. الثاني: أنه عطفٌ على محذوف، قال الزمخشري: "كأنه قيل: من نفسٍ واحدةٍ أنشأها ـ أو ابتدأها ـ وخلق منها وإنما حُذِف لدلالة المعنى عليه، والمعنى: شَعَبَكم من نفس واحدة هذه صفتُها" بصفةٍ هي بيانٌ وتفصيلٌ لكيفيةِ خَلْقهِم منها. وإنما حَمَلَ الزمخشري والقائلَ الذي قبله على ذلك مراعاةُ الترتيبِ الوجودي؛ لأنَّ خَلْقَ حواء، وهي المُعَبَّرُ عنها بالزوجِ، قبل خلقنا، ولا حاجة إلى ذلك، لأنَّ الواو لا تقتضي ترتيباً على الصحيح.
الثالث: أنه عطفٌ على "خَلَقَكم" فهو داخلٌ في حَيِّز الصلةِ، والواوُ لا يُبالى بها، إذ لا تقتضي ترتيباً. إلا أن الزمخشري خَصَّ هذه الوجهَ بكونِ الخطابِ في ﴿ياأَيُّهَا النَّاسُ﴾ لمعاصري الرسول عليه السلام فإنه قال: "والثاني: أن يُعْطَفَ على "خلقكم" ويكون الخطابُ للذين بُعِث إليهم الرسول، والمعنى: خَلَقكم من نفس آدم، لأنَّهم مِنْ جملةِ الجنسِ المفرَّعِ منه، وخَلَقَ منها أُمَّكم حواء". فظاهرُ هذا خصوصيَّةُ الوجهِ الثاني بكون الخطابِ للمعاصرين، وفيه نَظَرٌ. وقَدَّر بعضُهم مضافاً في "منها" أي: "مِنْ جنسِها زوجَها"، وهذا عند مَنْ يرى أن حواء لم تُخْلق من آدم، وإنما خُلِقت من طينة فَضَلَتْ من طينة آدم، وهذا قولٌ مرغوب عنه.
(٤/٣١٣)
---