سورة الإسراء
* ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾
(٩/٣١٢)
قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ﴾: قد تقدَّم الكلامُ عليه مستوفى أول البقرو. و"أَسْرى" و "سَرَى" لغتان، وقد تقدَّم الكلام عليهما في سورة هود، وأن بعضَهم خَصَّ "أَسْرى" بالليل. قال الزمخشري هنا: "فإن قلتَ: الإسراءُ لا يكون إلا ليلاً فما معنى ذِكْرِ الليلِ؟ قلت: أراد بقوله "ليلاً" بلفظ التنكيرِ تقليلَ مدةِ الإسراءِ، وأنه أُسْرِي به في بعض الليلِ من مكةَ إلى الشام مسيرةََ أربعين ليلةً؛ وذلك: أنَّ التنكيرَ دلَّ على البعضية، ويَشْهَد لذلك قراءةُ عبدِ الله وحذيفة "من الليل"، أي: بعضه كقوله: ﴿وَمِنَ الْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ﴾ انتهى. فيكون "سَرى" و "أسْرى" كـ "سَقَى" و "أَسْقى" والهمزةُ ليست للتعديةِ، وإنما المُعَدَّى الباءُ في "بعبده"، وقد تقدَّم أنها لا تَقْتضي مصاحبةَ الفاعلِ للمفعول عند الجمهور، في البقرة خلافاً للمبرد.
وزعم ابن عطية أنَّ مفعولَ "أَسْرى" وأنَّ التعديةَ بالهمزة فقال: "ويَظْهر أنَّ "أَسْرىط مُعَدَّاةٌ بالهمزةِ إلى مفعولٍ محذوف، أي: تعالى؛ إذ هو فعلٌ يقتضي النَّقْلة كمشى وجرى وأحضر وانتقل، فلا يَحْسُنُ إسنادُ شيءٍ من هذا مع وجودِ مَنْدوحةٍ عنه، فإذا وقع في الشريعة شيءٌُ من ذلك تَأَوَّلْناه نحو: اَتَيْتُه هَرْوَلة".
قلت: وهذا كلُّه إنما بنماه اعتقاداً على أن التعديةَ بالباء تَقتضي مصاحبةَ الفاعلِ للمفعول في ذلك، وقد تقدَّم الردُّ على هذه المذاهبِ في أول البقرة في قوله ﴿وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ﴾. ثم جَوزَّ أن يكونَ "أَسْرى" بمعنى "سَرَى" على حَذْفِ مضافٍ كقولِه: ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ يعني فيكون التقدير: الذي أَسْرَى ملائكتُه بعبدِه، والحاملُ له على ذلك ما تقدَّم من اعتقاد المصاحبة.
قوله: "لَيْلاً" منصوب على الظرف. وقد تقدَّم فائدةُ تنكيرِه. و "من المسجد" لابتداء الغاية.
(٩/٣١٣)
---