سورة مريم
* ﴿ ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ ﴾
قوله: ﴿ذِكْرُ﴾: فيه ثلاثةُ أوجهٍِ. أحدُها: أنه مبتدأٌ محذوفُ الخبر، تقديرُه: فيما يُتْلَى عليكم ذِكْرُ. الثاني: أنه خبرٌ محذوفٌ المبتدأ، تقديرُه: المَتْلُوُّ ذِكْرُ. الثالث: أنه خبرُ محذوفُ المنقطعةِ، وهو قولُ يحيى بن زياد. قال أبو البقاء: "وفيه بُعْدٌ؛ لأن الخبرَ هو المبتدأُ في المعنى، وليس في الحروفِ المقطَّعةِ ذِكْرُ الرحمةِ، ولا في ذكرِ الرحمة معناها".
(١٠/١٠٦)
والعامَّةُ على تسكينِ أواخرِ هذه الأحرفِ المقطَّعةِ، وكذلك كان بعضُ القَرِّاءِ يقفُ على كلِّ حرفٍ منها وَقْفَةً يسيرةً مبالغَةً في تمييزِ بعضِها مِنْ بعضٍ.
وقرأ الحسنُ "كافُ" بالضم، كأنه جَعَلها معربةً، ومَنَعها من الصَّرْف للعَمَليَّةِ والتأنيث.
وللقُرَّاء خلافٌ في إمالة "يا" و "ها" وتفخيمِهما.
وبهضُهم يُعَبِّر عن التفخيم بالضمِّ، كما يُعَبِّر عن الإمالةِ بالكسرِ، وإنما ذكَرْتُه لأنَّ عبارتَهم في ذلك مُوْهِمَةٌ.
وأظهر دالَ صاد قبل ذال "ذَكْرُ" نافعٌ وابنُ كثير وعاصم لأنه الأصل، وأدغمها فيها الباقون.
والمشهورُ إخفاءُ نونِ "عَيْن" قبل الصاد؛ لأنها تُقاربها، ويشتركان في الفم، وبعضُهم يُظْهِرُها لأنها حروف مقطعة يُقْصَدُ تمييزُ بعضِها [من بعض].
و "ذِكْرُ" مصدرٌ مضافٌ. قيل: إلى مفعولِه وهو الرحمةُ، والرحمةُ في نفسها مصدرٌ أيضاً مضافٌ إلى فاعلِه، و "هبدَه" مفعولٌ به. والناصبُ له نفسُ الرحمةِ، ويكونُ فاعلُ الذِّكْرِ غيرَ مذكورٍ لفظاً، والتقدير: أَنْ ذَكَرَ اللهُ رحمتَه عبدَه. وقيل: بل "ذِكْرُ" مضافٌ إلى فاعلِه على الاتِّساعِ ويكون "عبدَه" منصوباً بنفسِ الذِّكْر، والتقديرُ: أَنْ ذَكَرَتِ الرحمةُ عبدَه، فَجَعَلَ الرحمةَ ذاكرةً له مجازاً.
و "زكريَّا" بدلٌ أو عطفٌ بيانْ، أو مصنوبٌ بإضمتر "أَعْني".
(١٠/١٠٧)