سورة الأنبياء
* ﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ﴾
(١٠/٢٧٤)
قوله: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ﴾: اللامُ متعلقٌ بـ"اقترب". قال الزمخشري: "هذه اللامُ لا تخلُو: إمَّا أَنْ تكونَ صلةً لاقترب، أو تأكيداً لإِضافةِ الحسابِ إليهم كقولك: أَزِفَ للحَيِّ رحيلُهم، ونحون ما أوردَه سيبويه في باب "ما يُثَنَّى فيه المستقِرُّ توكيداً" نحو: "عليك زيدٌ حريصٌ عليك"، و"فيك زيد راغب فيك"، ومنه قولهم: "ولا أبا لك" لأنَّ اللاَم مؤكدةٌ لمعنى الإِضافة. وهذا الوجهُ أغربُ من الأول. قال الشيخ:/ "يعني بقولِه صلةً لا قتربَ أي: متعلقةً به. وأمَّا جَعْلُه اللامَ تأكيداً لإِضافة الحسابِ غليهم مع تقدُّمِ اللامِ ودخولِها على الاسمِ الظاهرِ، فلا نعلم أحداً يقول ذلك، وأيضاً فتحتاج إلى ما تتعلَّقُ به. ولا يمكن تعلُّقهام بـ"حسابُهم"؛ لأنه مصدرٌ موصولٌ، لأن قُدِّم معمولُه عليه. وأيضاً فإنَّ التوكيدَ يكونُ متأخراً عن المُؤَكَّد، وأيضاً فلو أُخَّر في هذا التركيبِ لم يَصِحَّ. وأمَّا تشبيهُه بما أورد سيبويهِ فالفرقُ واضحٌ فإنَّ "عليك" معمولٌ لـ"حريصٌ"، و"عليك" المتأخرةُ تأكيدٌ، وكذلك "فيك زيدٌ راغبٌ فيك" يتعلَّقُ "فيك" بـ"راغبٌ"، و"فيك" الثانيةُ توكيدٌ. وإنما غَرَّه في ذلك صحةُ تركيبِ حساب الناس، وكذلك "أَزِفَ رحيلُ الحيِّ" فاعتقدَ إذا تقدَّم الظ اهرُ مجروراً باللامِ وأُضيف المصدرُ لمضيرِه أنَّه من بابٍ "فيك زيد راغب فيك"، فليس مثلَه. أمَّا "لا أبا لك" فهي مسألةٌ مشكلةٌ، وفيها خلاف، ويمكن أن يقال فيها ذلك؛ لأنَّ اللامَ فيها جاوَرَتِ الإِضافةَ، ولا يُقاس عليها لشذوذِها وخروجها عن الأقيسةِ".
قلت: مسألةُ الزمخشري أشبهُ شيءٍ بمسألةِ "لا أبا لَك"، والمعنى الذي أَوْرده صحيحٌ. وأمَّا كونُها مشكلةً فهو إنما بناها على قولِ الجمهورِ، والمُشْكِلُ مقررٌ في بابِه، فلا يَضُرُّنا القياسُ عليه لتقريرِه في مكانِه.
(١٠/٢٧٥)
---


الصفحة التالية
Icon