سورة الرحمن
* ﴿ الرَّحْمَانُ ﴾
قوله: ﴿الرَّحْمَانُ﴾ فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ، أي: اللَّهُ الرحمنُ. الثاني: أنه مبتدأٌ، وخبرُه مضمرٌ، أي: الرحمنُ ربُّنا. وهذان الوجهان عند مَنْ يرى أنَّ "الرحمن" آيةٌ مع هذا المضمرِ معه، فإنهم عَدُّوا "الرحمن" آيةً ولا يُتَصَوَّرُ ذلك إلاَّ بانضمامِ خبرٍ أو مُخْبَرٍ عنه إليه، إذ الآيةُ لا بُدَّ أَنْ تكونَ مفيدةً، وسيأتي ذلك في قولِه "مُدْهامَّتان". الثالث أنه ليس بآيةٍ، وأنه مع ما بعده كلامٌ واحدٌ، وهو مبتدأٌ خبرُه "عَلَّم القرآنَ".
* ﴿ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ﴾
(١٣/٢٥٨)
قوله: ﴿عَلَّمَ الْقُرْآنَ﴾: فيه وجهان، أظهرُهما: أنها عَلَّم المتعديةُ إلى اثنين أي: عَرَّف، من التعليم، فعلى هذا المفعولُ الأولُ محذوف فقيل: تقديره: عَلَّم جبريلَ القرآنَ. وقيل: علَّم محمداً. وقيل: عَلَّم الإِنسانَ. وهذا أَوْلَى لعُمومِه، ولأنَّ قولَه "خَلَق الإِنسانَ" دالٌّ عليه. والثاني: أنها من العلامةِ. فالمعنى: جَعَله علامةً وآيةً يُعْتنى بها.
وهذه الجملُ التي جيْءَ بها من غيرِ عاطفٍ لأنها سِيْقَتْ لتعديدِ نعمةٍ كقولك: فلانٌ أَحْسَنَ إلى فلانٍ: أكرمه، أشاد ذِكْرَه، رَفَعَ مِنْ قَدْرِه، فلشِدَّةِ الوصلِ تَرَكَ العاطفَ. والظاهر أنها أخبارٌ. وقال أبو البقاء: و "خَلَق الإِنسان" مستأنفقٌ وكذلك "عَلَّمه" يجوزُ أَنْ يكونَ حالاً من الإِنسان مقدرةً و "قد" معها مرادةٌ". انتهى. وهذا ليس بظاهرٍ بل الظاهرُ ما قدَّمتهُ ولم يذكُرْ الزمخشريُّ غيرَه: فإن قيل: لِمَ قَدَّم تعليمَ القرآنِ للإِنسان على خَلْقِه وهو متأخرٌ عنه في الوجودِ؟ قيل: لأنَّ التعليمَ هو السببُ في إيجادِه وخَلْقِه.
* ﴿ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ﴾
قوله: ﴿بِحُسْبَانٍ﴾: فيه ثلاثة أوجه، أحدُها: أن "الشمس" مبتدأ و "بحُسْبان" خبرُها على حَذْفِ مضافٍ تقديره: جَزْيُ الشمس والقمر بحُسْبانٍ، أي: كائن أو مستقر أو استقرَّ بحُسْبان. الثاني: أنَّ الخبرَ محذوفٌ يتعلَّق به هذا الجارُّ تقديره: يَجْريان بحسبان، وعلى هذين القولَيْن فيجوز في الحُسْبان وجهان، أحدهما: أنه مصدرٌ مفردٌ بمعنى الحُسْبان، فيكونُ كالشُّكران والكُفْران. والثاني: أنه جمعُ حِساب كشِهاب وشُهْبان. / والثالث: أنَّ الحُسْبَانَ خبرُه، والباءُ ظرفيةٌ بمعنى في، أي: كائنان في حُسْبان، وحُسْبان، وحُسْبان على هذا اسمٌ مفرد، اسمٌ للفَلَكِ المستدير، شَبَّهه بحُسْبان الرَّحى الذي باستدارته تستدير الرحى، قاله مجاهد.
* ﴿ وَالسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴾


الصفحة التالية
Icon