سورة المعارج
* ﴿ سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ﴾
قوله: ﴿سَأَلَ﴾: قرأ نافع وابنُ عامر بألفٍ مَحْضَةٍ. والباقون بهمزةٍ مُحَقَّقةٍ، وهي الأصلُ، وهي اللغةُ الفاشيةُ. ثم لك في "سأل" وجهان أحدُهما: أنْ يكونَ قد ضُمِّنَ معنى دعا؛ فلذلك تعدَّى بالباء، كما تقول: دعوت بكذا. والمعنى: دعا داعٍ بعذابٍ. والثاني: أَنْ يكونَ على أصلِه. والباءُ بمعنى عن، كقوله:
٤٣٢٦ - فإن تَسْألوني بالنساء......... *.....................
(١٤/٨٤)
"فأسْأل بن خبيرا"، وقد تقدَّم تحقيقُه. والولُ أَوْلَى؛ لأن التجوُّزَ في الفعل أَوْلَى منه في الحرف لقوتِه.
وأمَّا القراءةُ بالألفِ ففيها ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنها بمعنى قراءةِ الهمزة، وإنما خُفِّفَتْ بقَلْبِها ألفاً، وليس بقياسِ تخفيفِ مثِلها، بل قياسُ تخفيفِها جَعْلُها بينَ بينَ. والباءُ على هذا الوجهِ كما في الوجهِ الذي تقدَّم. الثاني: أنها مِنْ سال يَسال مثلُ خاف يَخاف. وعينُ الكلمةِ واوٌ. قال الزمخشري: "وهي لغةُ قريش يقولون: سِلْتَ تَسالُ، وهما يتسايلان". قال الشيخ: "وينبغي أَنْ يُتَثَبَّتَ في قوله: "إنها لغةُ قريشٍ، لأنَّ ما جاء في القرآنِ من باب السؤالِ هو مهموزٌ، أو أصلُه الهمزُ، كقراءةِ مَنْ قرأ ﴿وسَلُوا اللهُ مِنْ فضلِه﴾ إذ لا جائزٌ أَنْ يكونَ مِنْ "سال" التي عينُها واوٌ، إذ كان يكون ذلك "وسَالوا اللهَ" مثلَ "خافوا"، فيَبْعُدُ أن يجيءَ ذلك كلُّه على لغةِ غيرِ قريشٍ، وهم الذين نَزَل القرآنُ بلغتِهم إلاَّ يسيراً، فيه لغةُ غيرِهم. ثم في كلامِ الزمخشريِّ "وهما يتسايَلان" بالياء، وهو وهمٌ من النسَّاخ، إنما الصوابُ: يتساوَلان بالواو، لأنه صَرَّحَ أولاً أنه من السُؤال يعني بالواو الصريحةِ، وقد حكى أبو زيدٍ عن العربِ: "هما يتساولان". الثالث: أنَّها مِنْ السَّيَلان. والمعنى: سالَ وادٍ في جهنم بعذابٍ، فالعينُ ياءٌ، ويؤيِّدُه قراءةُ ابن عباس "سالَ سَيْلٌ". قال الزمخشريُّ: "والسَّيْلُ مصدرٌ في معنى السائلِ كالغَوْر بمعنى الغائر. والمعنى: اندفع عليهم وادي عذابٍ" انتهى. والظاهرُ الوجهُ الأولُ لثبوتِ ذلك لغةً مشهورةً قال:
٤٣٢٧ - سالَتْ هُذَيْلٌ رسولَ اللهِ فاحشةً * ضَلَّتْ هُذَيلٌ بما سالَتْ ولم تُصِبِ
(١٤/٨٥)
---