سورة المزمل
* ﴿ ياأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ﴾
قوله: ﴿الْمُزَّمِّلُ﴾: أصلُه المتزَمِّلُ، فأُدْغِمَت التاءُ في الزاي يقال: تَزَمَّل يتزَمَّلُ تَزَمُّلاً. فإذا أُريد الإِدغامُ اجْتُلِبَتْ همزةُ الوصلِ، وبهذا الأصلِ قرأ أُبيُّ بن كعب. وقرأ عكرمةُ "المُزَمِّل" بتخفيفِ الزايِ وتشديدِ الميمِ، اسمَ فاعلٍ، على هذا فيكونُ فيه وجهان، أحدُهما: أنَّ أصلَه المُزْتَمِلُ على مُفْتَعِل فأُبْدِلَتِ التاءُ ميماً وأُدْغِمَتْ، قاله أبو البقاء، وهو ضعيفٌ. والثاني: أنَّه اسمُ فاعلٍ مِنْ زَمَّل مشدداً، وعلى هذا فيكون المفعول محذوفاً، أي: المُزَمِّل جِسْمَه. وقُرِىء كذلك، إلاَّ أنَّه بفتحِ الميمِ اسمَ مفعولٍ منه، أي: المُلَفَّف. والتَّزَمُّلُ: التَّلَفُّفُ. يقال: تَزَمَّلَ زيدٌ بكساءٍ، أي: التفتَّ به قال ذو الرَّمة:
(١٤/١٣٣)
٤٣٦٢ - وكائِنْ تَخَطَّتْ ناقتي مِنْ مَفازةٍ * ومِنْ نائمٍ عن ليلِها مُتَزَمِّلِ
وقال امرؤ القيس:
٤٣٦٣ - كأنَّ ثبيراً في أفانينِ وَدْقِه * كبيرُ أُناسٍ في بِجادٍ مُزَمَّلِ
وهو كقراءةِ بعضِهم المتقدِّمة. وفي التفسير: أنه نُودي بذلك لالتفافِه في كِساء.
* ﴿ قُمِ الْلَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾
قوله: ﴿قُمِ الْلَّيْلَ﴾: العامَّةُ على كسر الميمِ لالتقاءِ السَّاكنَيْن. وأبو السَّمَّال بضمها إتباعاً لحركةِ القاف. وقُرِىءَ بفَتحِها طَلَباً للخِفَّةِ. قال أبو الفتح: "الغَرَضُ الهَرَبُ من التقاءِ الساكنَيْن، فبأيِّ حركةٍ حُرِّك الولُ حَصَلَ الغَرَضُ". قلت: إلاَّ أنَّ الأصلَ الكسرُ دليلٍ ذكره النحويون. و "الليلَ" ظرفٌ للقيامِ، وإن استغرقه الحَدَثُ الواقعُ فيه. هذا قولُ البصريين، وإمَّا الكوفيُّون فيجعلون هذا النوعَ مفعولاً به. /
* ﴿ نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً ﴾
قوله: ﴿إِلاَّ قَلِيلاً نِّصْفَهُ﴾: للناس في هذا كلامٌ كثيرٌ، واستدلالٌ على جوازِ استثناءِ الأكثرِ والنصفِ، واعتراضاتٌ وأجوبةٌ عنها. وها أنا أذكرُ ذلك مُحَرِّراً له بعون اللهِ تعالى.
اعلم أنَّ في هذه الآيةِ ثمانيةَ أوجهٍ أحدُها: أنَّ "نصفَه" بدلٌ من "الليلَ" بدلُ بعضٍ من كلٍ. و "إلاَّ قليلاً" استثناءٌ من النصفِ كأنه قيل: قُمْ أقلَّ مِنْ نصفِ الليلِ. والضميرُ في "مِنْه" و "عليه" عائدٌ على النصفِ.
(١٤/١٣٤)
---